حــول جدلـية الفلسفـة …. فى العمــارة/ بقلم. محمود خطاب
قد يتهمنى البعض بالمبالغة عندما أقول ان المعمارى …هو فنان تتجسد بداخله روح الفيلسوف.. الا اننى اجزم انه بالفعل فيلسوف من الدرجة الاولى … فقد كانت الفلسفة فى العمـارة بالنسبة لى … تمثل الفكرة المعمارية التى من خلالها يستطيع المعمارى ان يضع الخطوط العريضة فى المشروع المراد تصميمه , بغض النظر عن الاختلاف فى المفهوم لكل منهما .. هذا ما كنت أعتقده..
الى ان تغير هذا الاعتقاد عند مشاهدتى لمحاضرة بعنوان (Of Phantom Limbs) أو "غيبوبة الاطراف" لأستاذ العمارة المعمارى الدكتور طارق نجا (Tarek Naga) .. وهنا ..قد أصابنى الذهول بالفعل حول فهم مضمون العمارة .. وشعرت حينها أنى أشاهد ملحمة شعرية لأحد شعراء العصر الجاهلى الثقال ..أو سيمفونية جديدة من روائع الموسيقار عمر خيرت ..أو محاضرة للدكتور زويل يتحدث فيها عن أعماق الاعماق فى علم الذرة …
ما هذا الكم من المعلومات ..؟؟ وماهذا الكم من الثقافـــة .؟؟ وما هذا الكم من الفلسفــة ..؟؟
لقد تغير مفهومى عن العمارة تماما … هذا هو حال شعورى أثناء المشاهدة, ولا أنكر ان هناك بعض الاشياء التى لم يستطيع عقلى تداركها ..أو فهما لدرجة اننى شاهدت العرض مرة أخرى .. وقد كنت مستمتعا جدا بغض النظر عن بعض الاشياء التى لم أفهما للمرة الثانية أيضا بالرغم من إعادة العرض .
وقد ظللت اتسأل ماهو علاقة الميتافيزيقا بالعمارة ..وماهو علاقة الشعر والادب وعلم الاجتماع بالعمارة, وماهو علاقة التاريخ ومدى تأثره بالعمارة ..وماهو هذا الرابط التى يجمع بين كل هذه المتعلقات ..
وهنا لم أجد لسؤالى غير جوابا واحدا فقط …. انها الفلسفــــــــــــــــــــــة …هى التى تستطيع أن تربط بين كل هذه الاشياء.
وقد أثار الموضوع حفيظتى وداعب مخيلتى ..ولم يمر على عقلى الباطن مرور الكرام .. فقد ظل متعلقا به لفترة طويلة ويربط جميع الاحداث به ..
الى ان شاءت الصدفة أن أقرأ مقالة على أحد المدونات المعمارية الالكترونية الى تتحدث عن تأثير الافكار الفلسفية ودورها فى العمارة .. والتى قد ساهمت الى حد كبير حول فهمى للامور نوعا ما حيث تم ازالة اللغط الواقع بين التعريف المفاهيمى لكل من الفكرة والفلسفة المعمارية حيث تعنى الاولى : العمل الابداعى فى الذى يتطرق الى حل المشاكل المعمارية من أجل تحقيق هدف معين يفرضه برنامج التصميم ..
أما الفلسفة المعمارية فهى الفكر المحرك وطريقة نظرتنا الى العالم وفهمنا للكون الذى نعيش فيه ونتأثر به وبالتالى يكون فينا خبرات حياتية متراكمة تشكل الفكر الذى نتبناه فى حياتنا ..
وحول طبيعة العلاقة بين الفن والفلسفة والعلم يقول:
عبد الرؤوف برجاوي (1981): صفحة 15 "فصول في علم الجمال" – بيروت ”أن الظاهرة الجمالية في الفن، هي ظاهرة بشرية، تنبع، إلى حد ما، من العلوم الانسانية، كعلم النفس، والتحليل النفسي، وعلم الاجتماع، وهذه ليست فلسفة بالمعنى الدقيق، وان كانت تمس اجواء الفلسفة، فاذا كان من العسير على الفلاسفة، احياناً فهم وجهة نظر الفنانين، فانه يصعب على الفنانين، احياناً اخرى، فهم وجهة نظر الفلاسفة“
وبالتحليل لهذه المقولة يتبين أن الجمال الواضح فى فن العمارة يكمن فى الجمال الداخلى المنبثق عن المعرفة الشاملة لمختلف العلوم والفنون الذى يصل الى حد الفلسفة فى مكنون هذا الجمال..
ويقول ديكارت :- وهو فيلسوف فرنسي و رياضياتي وعالم يعتبر من مؤسسي الفلسفة الحديثة ومؤسس الرياضيات الحديثة.
”كيف نحصل على افكار متميزة عن طريق الامتداد و الفكر من حيث أن احدهما هو طبيعة الجسم والثاني هو طبيعة النفس“
بمعنى أن في الانسان قوتين: قوة الحس وقوة العقل وهما القوتان اللتان تؤسسان الحكم الجمالي والتقييم الفني.
فالعمارة ليست شيئا ذاتيا وانما هى عملية تفاعلية مستمرة بين الانسان والمكان والثقافة التى يفرضها المكان على الانسان … فكان لابد من ان يكون هناك فيلسوف يقوم بقيادة هذه العملية التفاعليه الصعبة .. والتى لم يتم إحكام قيادتها الا من خلال دراسة فى شخصية كل من الانسان والمكان ..
فعلى سبيل المثال : فرانك لويد رايت .. وهو أحد أشهر المعماريين فى النصف الاول من القرن العشرين وأشهرمعمارى أميركا عبر تاريخها, فقد تبنى رايت مجموعة من الافكار والفلسفات للتخطيط العمرانى تحت عنوان "مدينة برواداكر" (Broadacre City), وقدم فكرته هذه في كتابه "المدينة المختفية" (The Disappearing City) لتصوره عن المدينة المستقبلية التي يتخيلها، وظل يعرضه في العديد من المحافل التي يذهب لها في السنوات المتلاحقة، وظل أيضا يطور في فكرته هذه حتى وفاته في عام 1959م.
مارس رايت ما يسمى بالعمارة العضوية، وهو ما يقصد بتطوير الشكل المعماري للمبنى وبنائه تبعا للبيئة المحيطة وما كان يهم رايت في الغالب هو علاقة ما سبق باحتياجات العميل, وقد أرثى رايت مبادئه الفلسفية ليكون رائدا للعمارة العضوية .. والتى جاء فيها :-
1-المبنى من الطبيعة واليها أي أنه يتفق مظهره الخارجي وتكوينه الداخلي مع صفته وطبيعته مع الغرض الذي أنشئ من أجله في زمان معين ومكان بالذات.
2- المرونة في التصميم وقابلية المبنى للامتداد المستقبلي والتغيير للوظيفة عند الرغبة.
3- يتم تصميم المبنى من الداخل إلى الخارج وليس بالعكس.
4- إعجابه بالطبيعة واستخدامه لموادها على طبيعتها: فجمال الطوب في كونه طوباً وجمال الخشب في كونه خشباً، (من الطبيعة وإليها).
5- تشكيله أبنية تناسب عصره وتأكيده على أن الشكل يتبع الوظيفة.
6- التخطيط للمسقط الأفقي الحر (المفتوح).
7- استخدام التدعيمات الخرسانية، فبدلاً من أن يقاوم البناء الزلازل يهتز معها، واستعمال الخوازيق المخروطية واستعمال البروزات.
فلولا هذه المبادئ والفلسفات ما كان متحف سولومون غاغينهايم الحلزوني – نيويورك, وما كان مبنى شركة جونسون للشمع 1936, وما كانت العمارة العضوية التى أصبحت أحد النظريات المعمارية التى تدرس فى جميع المحافل المعمارية فى العالم ..
Photo: Jean-Christophe BENOIST | Solomon R. Guggenheim Museum
كل هذا بفضل الفكرة التى تبناهها فرانك لويد رايت وأصر على أن يقدمها للعالم .. ولكن هل كان لهذه الفكرة ان تخرج الى النورأو تنتشر الا اذا كانت قائمة على رؤى وفلسفات ودراسة وافيه لكل جوانبها ..فكانت أول خطوة قد فعلها رايت أن قام بتقنين فكرته بمجموعه من المبادئ الفلسفية التى على أساسها أصبح رائدا للعمارة العضوية ..
فأصبح رايت نموذجا للمعمارى الفيلسوف التى تطرقت اليه فى بداية المقال ..وأننى كنت على صواب حينما أجزمت أن المعمارى هو فيلسوف من الدرجة الاولى .. فالعمارة ماهى الا بقايا ثقافة قد قام العقل ببلورتها لتخرج أفكارا تصلح أن تكون قاعدة لتبنى عليها ركائز ما يمكن تقديمه ليخدم الانسان, والبشرية أجمع …
رابط الكتاب: فن العمارة
http://files.books.elebda3.net/download-pdf-ebooks.org-ku-16463.pdf
قد يتهمنى البعض بالمبالغة عندما أقول ان المعمارى …هو فنان تتجسد بداخله روح الفيلسوف.. الا اننى اجزم انه بالفعل فيلسوف من الدرجة الاولى … فقد كانت الفلسفة فى العمـارة بالنسبة لى … تمثل الفكرة المعمارية التى من خلالها يستطيع المعمارى ان يضع الخطوط العريضة فى المشروع المراد تصميمه , بغض النظر عن الاختلاف فى المفهوم لكل منهما .. هذا ما كنت أعتقده..
الى ان تغير هذا الاعتقاد عند مشاهدتى لمحاضرة بعنوان (Of Phantom Limbs) أو "غيبوبة الاطراف" لأستاذ العمارة المعمارى الدكتور طارق نجا (Tarek Naga) .. وهنا ..قد أصابنى الذهول بالفعل حول فهم مضمون العمارة .. وشعرت حينها أنى أشاهد ملحمة شعرية لأحد شعراء العصر الجاهلى الثقال ..أو سيمفونية جديدة من روائع الموسيقار عمر خيرت ..أو محاضرة للدكتور زويل يتحدث فيها عن أعماق الاعماق فى علم الذرة …
ما هذا الكم من المعلومات ..؟؟ وماهذا الكم من الثقافـــة .؟؟ وما هذا الكم من الفلسفــة ..؟؟
لقد تغير مفهومى عن العمارة تماما … هذا هو حال شعورى أثناء المشاهدة, ولا أنكر ان هناك بعض الاشياء التى لم يستطيع عقلى تداركها ..أو فهما لدرجة اننى شاهدت العرض مرة أخرى .. وقد كنت مستمتعا جدا بغض النظر عن بعض الاشياء التى لم أفهما للمرة الثانية أيضا بالرغم من إعادة العرض .
وقد ظللت اتسأل ماهو علاقة الميتافيزيقا بالعمارة ..وماهو علاقة الشعر والادب وعلم الاجتماع بالعمارة, وماهو علاقة التاريخ ومدى تأثره بالعمارة ..وماهو هذا الرابط التى يجمع بين كل هذه المتعلقات ..
وهنا لم أجد لسؤالى غير جوابا واحدا فقط …. انها الفلسفــــــــــــــــــــــة …هى التى تستطيع أن تربط بين كل هذه الاشياء.
وقد أثار الموضوع حفيظتى وداعب مخيلتى ..ولم يمر على عقلى الباطن مرور الكرام .. فقد ظل متعلقا به لفترة طويلة ويربط جميع الاحداث به ..
الى ان شاءت الصدفة أن أقرأ مقالة على أحد المدونات المعمارية الالكترونية الى تتحدث عن تأثير الافكار الفلسفية ودورها فى العمارة .. والتى قد ساهمت الى حد كبير حول فهمى للامور نوعا ما حيث تم ازالة اللغط الواقع بين التعريف المفاهيمى لكل من الفكرة والفلسفة المعمارية حيث تعنى الاولى : العمل الابداعى فى الذى يتطرق الى حل المشاكل المعمارية من أجل تحقيق هدف معين يفرضه برنامج التصميم ..
أما الفلسفة المعمارية فهى الفكر المحرك وطريقة نظرتنا الى العالم وفهمنا للكون الذى نعيش فيه ونتأثر به وبالتالى يكون فينا خبرات حياتية متراكمة تشكل الفكر الذى نتبناه فى حياتنا ..
وحول طبيعة العلاقة بين الفن والفلسفة والعلم يقول:
عبد الرؤوف برجاوي (1981): صفحة 15 "فصول في علم الجمال" – بيروت ”أن الظاهرة الجمالية في الفن، هي ظاهرة بشرية، تنبع، إلى حد ما، من العلوم الانسانية، كعلم النفس، والتحليل النفسي، وعلم الاجتماع، وهذه ليست فلسفة بالمعنى الدقيق، وان كانت تمس اجواء الفلسفة، فاذا كان من العسير على الفلاسفة، احياناً فهم وجهة نظر الفنانين، فانه يصعب على الفنانين، احياناً اخرى، فهم وجهة نظر الفلاسفة“
وبالتحليل لهذه المقولة يتبين أن الجمال الواضح فى فن العمارة يكمن فى الجمال الداخلى المنبثق عن المعرفة الشاملة لمختلف العلوم والفنون الذى يصل الى حد الفلسفة فى مكنون هذا الجمال..
ويقول ديكارت :- وهو فيلسوف فرنسي و رياضياتي وعالم يعتبر من مؤسسي الفلسفة الحديثة ومؤسس الرياضيات الحديثة.
”كيف نحصل على افكار متميزة عن طريق الامتداد و الفكر من حيث أن احدهما هو طبيعة الجسم والثاني هو طبيعة النفس“
بمعنى أن في الانسان قوتين: قوة الحس وقوة العقل وهما القوتان اللتان تؤسسان الحكم الجمالي والتقييم الفني.
فالعمارة ليست شيئا ذاتيا وانما هى عملية تفاعلية مستمرة بين الانسان والمكان والثقافة التى يفرضها المكان على الانسان … فكان لابد من ان يكون هناك فيلسوف يقوم بقيادة هذه العملية التفاعليه الصعبة .. والتى لم يتم إحكام قيادتها الا من خلال دراسة فى شخصية كل من الانسان والمكان ..
فعلى سبيل المثال : فرانك لويد رايت .. وهو أحد أشهر المعماريين فى النصف الاول من القرن العشرين وأشهرمعمارى أميركا عبر تاريخها, فقد تبنى رايت مجموعة من الافكار والفلسفات للتخطيط العمرانى تحت عنوان "مدينة برواداكر" (Broadacre City), وقدم فكرته هذه في كتابه "المدينة المختفية" (The Disappearing City) لتصوره عن المدينة المستقبلية التي يتخيلها، وظل يعرضه في العديد من المحافل التي يذهب لها في السنوات المتلاحقة، وظل أيضا يطور في فكرته هذه حتى وفاته في عام 1959م.
مارس رايت ما يسمى بالعمارة العضوية، وهو ما يقصد بتطوير الشكل المعماري للمبنى وبنائه تبعا للبيئة المحيطة وما كان يهم رايت في الغالب هو علاقة ما سبق باحتياجات العميل, وقد أرثى رايت مبادئه الفلسفية ليكون رائدا للعمارة العضوية .. والتى جاء فيها :-
1-المبنى من الطبيعة واليها أي أنه يتفق مظهره الخارجي وتكوينه الداخلي مع صفته وطبيعته مع الغرض الذي أنشئ من أجله في زمان معين ومكان بالذات.
2- المرونة في التصميم وقابلية المبنى للامتداد المستقبلي والتغيير للوظيفة عند الرغبة.
3- يتم تصميم المبنى من الداخل إلى الخارج وليس بالعكس.
4- إعجابه بالطبيعة واستخدامه لموادها على طبيعتها: فجمال الطوب في كونه طوباً وجمال الخشب في كونه خشباً، (من الطبيعة وإليها).
5- تشكيله أبنية تناسب عصره وتأكيده على أن الشكل يتبع الوظيفة.
6- التخطيط للمسقط الأفقي الحر (المفتوح).
7- استخدام التدعيمات الخرسانية، فبدلاً من أن يقاوم البناء الزلازل يهتز معها، واستعمال الخوازيق المخروطية واستعمال البروزات.
فلولا هذه المبادئ والفلسفات ما كان متحف سولومون غاغينهايم الحلزوني – نيويورك, وما كان مبنى شركة جونسون للشمع 1936, وما كانت العمارة العضوية التى أصبحت أحد النظريات المعمارية التى تدرس فى جميع المحافل المعمارية فى العالم ..
Photo: Jean-Christophe BENOIST | Solomon R. Guggenheim Museum
كل هذا بفضل الفكرة التى تبناهها فرانك لويد رايت وأصر على أن يقدمها للعالم .. ولكن هل كان لهذه الفكرة ان تخرج الى النورأو تنتشر الا اذا كانت قائمة على رؤى وفلسفات ودراسة وافيه لكل جوانبها ..فكانت أول خطوة قد فعلها رايت أن قام بتقنين فكرته بمجموعه من المبادئ الفلسفية التى على أساسها أصبح رائدا للعمارة العضوية ..
فأصبح رايت نموذجا للمعمارى الفيلسوف التى تطرقت اليه فى بداية المقال ..وأننى كنت على صواب حينما أجزمت أن المعمارى هو فيلسوف من الدرجة الاولى .. فالعمارة ماهى الا بقايا ثقافة قد قام العقل ببلورتها لتخرج أفكارا تصلح أن تكون قاعدة لتبنى عليها ركائز ما يمكن تقديمه ليخدم الانسان, والبشرية أجمع …
رابط الكتاب: فن العمارة
http://files.books.elebda3.net/download-pdf-ebooks.org-ku-16463.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق