1- بحث المعتزلة . 2- علماء الإسلام : ملخص عن ابن رشد وفكره

بحث المعتزلة


محتويات البحث : الصفحة



- نشأة المعتزلة .................................................................................2

- المناخ الذي ظهرت فيه المعتزلة، والمؤثرات التي أدت إلى وجود

المعتزلة.........................................................................................4

- مناهج المعتزلة: مناهج المعتزلة في رسائل العدل والتوحيد

والبحث والمناظرة............................................................................6

- العقل عند المعتزلة ...........................................................................9

- الأصول الخمسة عند المعتزلة .............................................................11

- بعض آراء الفرق الأخرى في مقابلة الأصول الخمسة عند المعتزلة................25

- أثر المعتزلة في النواحي الأدبية والثقافية والعلمية ....................................27

- الآراء السياسية للمعتزلة...................................................................28

- طبقات المعتزلة .............................................................................31

- تاريخ المعتزلة وأشهر رجالهم ...........................................................34

- سقوط المعتزلة كفرقة ......................................................................45

- نتائج البحث والخلاصة ....................................................................47





نشأة المعتزلة



- المعتزلة فرقة إسلامية ظهرت في أول القرن الثاني الهجري سنة 100 هجرياً الثامن الميلادي في مدينة البصرة بالعراق.

- الاعتزال اسم من جملة أسماء أطلقت على جماعة من المسلمين اعتزلوا جميع الفرق الإسلامية.

- والمعتزلة سموا أيضاً بالعدلية لقولهم بعدل الله وحكمته والموحدة لقولهم لا قديم مع الله.

- ويحتجون لفضل الاعتزال بآيات من القرآن مثل قوله تعالى " وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ..." [مريم 48] .

- " ومثل قوله تعالى " وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ" [الدخان 21] .

- " واحتجوا من السنة بقوله صلى الله عليه وسلم [من اعتزل الشر سقط في الخير](1) .

- وكثيراً ما كان يسمى المعتزلة بالقدرية لأنهم وافقوا القدرية في قولهم (إن للإنسان قدرة توجد الفعل بإنفرادها واستقلالها دون الله تعالى ونفوا أن تكون الأشياء بقضاء الله وقدره).

- وأحياناً يلقب المعتزلة بالجبرية لأنهم وافقوا الجبرية في نفي الصفات عن الله وفي خلق القرآن وقولهم أن الله لا يرى.

- أما المعتزلة أنفسهم فكانوا بارئون من هذين الاسمين.

- الشخصية الأساسية التي ارتبطت بها نشأة هذه الفرقة بشكلها المحدد المستقل هي شخصية ( واصل بن عطاء ) و (عمرو بن عبيد ).

- أسس الفرقة وأنشأ مبادئها واصل بن عطاء ويقال "أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال" وواصل من تلاميذ الإمام حسن البصري رضي الله عنه إمام أهل السنة في عصره وكان من تلاميذه المتقدمين عنده .

- وذات يوم بينما الحسن البصري في مجلس علمه دخل عليه رجلاً فقال يا إمام الدين ، لقد ظهر في زماننا جماعة من الناس يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفرٌ تخرج صاحبها عن الملة وهؤلاء هم وعيدية الخوارج كما ظهرت جماعة أخرى يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر صاحبها ما دام مؤمناً والعمل عندهم ليس ركناً من الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة وهؤلاء هم مرجئة الأمة وكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً ؟ وقبل أن يجيب قام تلميذه واصل بن عطاء فقال : أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمناً مطلقاً ، ولا كافراً مطلقاً ، بل هو في منزلة بين منزلتين فلا هو مؤمن ، ولا هو كافر ، بل هو في منزلة بين الإيمان والكفر ، ثم قام من مجلس الإمام الحسن البصري فقال الحسن اعتزل عنا واصل ، لذا سُموا ( المعتزلة) وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أخذا علمهما عن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب وهاشم بن محمد بن الحنفية . ومحمد بن الحنفية هو الذي ربى واصل وعلمه ومحمد أخذ عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- وقد قام واصل بإرسال رجال كثيرين وبعث بهم إلى البلدان دعاة يدعون إلى الاعتزال وينشرونه بين الناس وكان ناجحاً في تأسيس جمعيته وتنظيمها ووضع خططها ، فقد بعث من أتباعه عبد الرحمن بن الحارث إلى المغرب فأجابه خلق كثير ، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم فدخل ترمذ وناظر جهم بن صفوان حتى قطعه . وبعث القاسم إلى اليمن وبعث أيوب إلى الجزيرة وبعث الحسن بن ذكوان إلى الكوفة وعثمان الطويل إلى أرمينية.




المناخ الذي ظهرت فيه المعتزلة

[العصر الذي كانت فيه المعتزلة ]




- تواجد النصوصيون الذين يقدسون ظاهر النص ويمنعون التأويل للنصوص التي تتعارض ظواهرها مع ثمار العقول .

- وهناك أيضاً المجبرة الذين لا يرون في الإنسان أكثر من أداة مجبرة على التنفيذ.

- وهناك المجسمة والمشبهة والذين كانوا يشبهوا الله بالإنسان ويجسموه.

- وهناك من الذين فسروا نصوص القرآن لنصرة الاستبداد والظلم والفساد وإطاعة أئمة الفساد .

- وهناك الشيعة الذين ينادون بمبدأ العصمة للأئمة وحذروا على عقولهم أن تفكر في تصرفات الإمام .

- حين خرج العرب المسلمون من صحرائهم وجدوا في البلاد التي افتتحوها أقواماً لهم ديانات مختلفة وفلسفات دينية متأثرة إلى حد بعيد بالفلسفة اليونانية ثم بدأت أعمال الترجمة فنقلت إلى العربية فلسفة اليونان وعلومهم وهكذا وقف الفكران الإسلامي واليوناني متواجهين فكان لابد أن يختلطا ويتفاعلا وكان لابد أن يتأثر المسلمون بالأفكار والعقائد التي غزتهم والتي كان الكثير منها مخالفاً لتعاليم دينهم وكان من الطبيعي أن تخلق لهم تلك الأفكار مشاكل جديدة تقتضي الدراسة والتحليل كمشكلة الصفات والقدر وما يتفرع منهما .

- غير أن السلف أحجموا عن القيام بهذه المهمة ووقفوا وجلين أمام تلك المشاكل فأبوا أن يعالجوها ورفضوا أن يبتعدوا عن نص الكتاب ومنطوق الحديث قيد أنمله فكان مالك بن أنس يقول أمضي الحديث كما ورد بلا كيف ولا تحديد .

- وكان لا يتبع حرية الرأي في أمور الدين وهذا الموقف الذي وقفه مالك بن أنس هو نفس الموقف الذي وقفه الشافعي الذي قال إذا وجدتم السنة فاتبعوها ولا تلتفتوا إلي أحد. وابن حنبل الذي امتنع عن الإجابة بحرف واحد في مسألة خلق القرآن وقال للخليفة إعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به ، واستمر مصراً على موقفه حتى النهاية.

- أما المعتزلة فهم الوحيدون الذين أقبلوا بجرأة على المبادئ الجديدة يدرسونها ويمحصونها وكانت غايتهم في بادئ الأمر أن يفهموا تلك المشاكل ويدافعوا عن العقائد الإسلامية ببراهين العقل كما كان يفعل مخالفوا الإسلام في ذلك الحين في دفاعهم عن عقائدهم فاتخذوا من العقل خادماً للنقل. ولكنهم لما تغلغل في نفوسهم أثرها واحتل قلوبهم حبها تراءى لهم أن العقل يمثل جزءاً من الحقيقة الكلية والعقائد الدينية تمثل الجزء الآخر ، وبدأوا يوحدون بين النقل وبين العقل ولم يقفوا عند هذا الحد بل تجاوزوا ذلك وازدادوا تعمقاً في الفلسفة وتعلقاً بالعلوم وبدأوا يبتعدوا عن الدين إلى حد أن نسوا غايتهم التي بها بدأوا وصاروا يجربون أن يخضعوا النقل للعقل ويحوروا العقائد الدينية بحيث توافق التعاليم الفلسفية وذهبوا إلى القول بأنه إذا تعارض النقل والعقل وجب تقديم العقل لأنه أساس النقل وإذا أجمع العقلاء على شيء أنه حسن أو قبيح كان إجماعهم حجة. وكان المعتزلة قليلي العناية برواية الحديث وقد حاول المعتزلة أن يبطلوا الحديث كله من أساسه فقالوا أن خبر الواحد العدل لا يوجب العلم ذلك بأن الأحاديث كلها أخبار آحاد .



المؤثرات التي أدت إلى وجود المعتزلة :



حل مشاكل الخلاف بين المسلمين والمتمثلة في مشكلة مرتكبي الكبائر التي مادون الشرك فقد كثر إقبال الناس على ارتكاب الكبائر بسبب اختلاف القادة على الخلافة وما جرى وراءه من فتن أدت إلى مصرع عثمان بن عفان – وألحقت الحرب بين علي بن أبي طالب وبين أصحاب الجمل – ثم بين علي ومعاوية فتفرق المسلمون أحزاباً وشيعاً وراح المسلمون يكفرون بعضهم بعضاً – ورفض الخوارج حكم أهل السنة في مرتكب الكبيرة واعترض المرجئة على حكم الخوارج مما تعاظم معه الخلاف بين هذه الفرق واحتدام الجدال وصارت تعقد في مساجد البصرة وغيرها حلقات مناظرة كان أهمها وأشهرها حلقة الحسن البصري حتى أن الحسن البصري قال للحجاج بن يوسف الثقفي (يا أخبث الأخبثين وأفسق الفاسقين فأما أهل السماء فمقتوك وأما أهل الأرض فغرُّوك) .




مناهج المعتزلة




أولاً : منهجهم في رسائل العدل والتوحيد :

1. الاعتماد على الحجج القرآنية :

تميز المعتزلة عن غيرهم بإحلال العقل وحججه ومعطياته مكاناً عالياً بالقياس إلى النقل والسماع ، إلا أنهم لا يقيمون تعارضاً بين حجج العقل وحجج القرآن بل يقدمون قضاياهم كثمرات للحجج التي أتى بها القرآن ، وتقديم العقل على النقل لا يلغي النقل وإنما التقديم الذي يدل على وجوب تأول ظاهر النص بما يتفق مع معطيات العقل وحججه . واعتبروا أن هناك ثلاث حجج احتج بها المعبود "الله" على العباد وهي : العقل والكتاب والرسول فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود وجاءت حجة الكتاب بمعرفة التعبد وجاءت حجة الرسول بمعرفة العبادة والعقل أصله الحجتين الأخرتين "الكتاب والرسول" لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما لذلك كانت هذه الحجج الثلاث معاً تبلغ الإنسان درجة اليقين وكما قال الإمام يحيى بن الحسن "حجج الله على الخلق يؤكد بعضها بعضاً ويشهد ناطقها من القرآن لمستحي "مستتر" مركبها في الإنسان ويشهد عقل الإنسان لنواطق حجج القرآن وكذلك ما نطق به الرسول يشهد له القرآن والعقول " .

2. المحكم والمتشابه:

قسم المعتزلة آيات القرآن إلى "محكمة ومتشابهة" و"واضحة وخفية" و"أصول وفروع " ومن ثم فإن علينا أن نفسر المتشابه والخفي والفروع على ضوء المحكم والواضح من الأصول التي جاء بها القرآن والأصل هو ما أجمع عليه العقلاء ولم يختلفوا فيه والفرع نختلف فيه فعلى العبد أن يرجع إلى المحكمات من الآيات ويؤمن بالمتشابهات ولا يظن أنها وإن جهل تأويلها أنها تنقص المحكمات وليس لك أن تشك في الواضح إذا ذهب عنك الخفي كما قال الله تعالى في كتابه " هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ..." [آل عمران 7] ، فلذلك جعل المحكم إماماً للمتشابه . مثال لذلك قضية رؤية الله فالآيات المحكمة كقوله " وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ " [الإخلاص 4] و " ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ..." [الشورى 11] و " لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ..."[الأنعام 103] ، ومن الآيات المتشابهة مثلاً قوله تعالى " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ "[القيامة 22،23] ،فمعنى هذه الآية أن الوجوه يومئذ تكون ناضرة مشرقة ناعمة إلى ثواب ربها منتظرة وآية "… فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ …" [الكهف 110] ، مثلاً تعني رجاء لقاء ثواب الله .

3. تفسير الآيات بالسياق :

هو سبيل آخر لنفي شبهات التناقض المزعومة بين آيات القرآن وأيضاً أسباب النزول وملابساته مثال ذلك قوله تعالى :" وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ..."[الأنعام 108] ، فالمعتزلة يرون أن هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام المخزومي عندما لقى أبا طالب وقال له أن إبن أخيه يشتم آلهتهم فإن لم يكف عن ذلك فسوف يشتم إلهه فأنزل الله هذه الآية .

4. تحديد معنى المصطلح :

إتخذ المعتزلة في منهج البحث التحديد الدقيق لمعاني المصطلحات كالتي استخدمت في الجدل حول موضوع"الجبر والاختيار" والتي وردت في القرآن الكريم فهم يستقرئون الآيات التي وردت في الكفر مثلاً فلها معنيين :

- كفر جحود وإنكار وتعطيل . – وكفر نعمة.

فهم يحددون معنى الكلمة على ضوء النظرة الشاملة لسياق الكلمة مع تفسير الآيات بآيات أخرى ومع ملابسات النزول وظرفه فتسهم كل هذه العوامل في التحديد الأدق لمعاني المصطلحات.

5. الاستشهاد بالواقع المحسوس :

هذا المنهج يهدف إلى استخدام الوقائع المحسوسة والحقائق البديهية في الحياة الإنسانية لمؤازرة الحجج العقلية والحجج القرآنية في البرهنة والاستدلال وكنموذج لذلك الحوار الذي دار بين يحيى بن الحسن مع المجبرة حول قضية خلق العقول وخالقها وقسمتها وتوزيعها بين المخلوقين وعلاقة كل ذلك بالعدل الإلهي ومدى حرية الإنسان فيقول المجبرة أن هناك اختلاف العقول في الناس أجمعين وأنهم غير متساويين قي القسمة وقد ساوى الله بين عباده في ما افترض عليهم ثم فضل بعضهم على بعض فيما لا ينال أداء ما فرض من الطاعات ، فرد عليهم بأن الله ساوى بين عباده في ما إليه يحتاجون وله في فرائضه يستعملون ثم زاد بعد أن ساوى بينهم في الحجة من شاء .

6. الإلزام:

هو أسلوب جدلي يحرك في نفوس الخصوم وعقولهم العوامل التي تدعوهم إلى إعادة النظر فيما يقولون . ومثال لذلك قوله تعالى " وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ..."[الأنعام 137] ، فيتخذ المعتزلة من ذلك دليلاً يردون به على المجبرة إن هم أصروا على جبريتهم إذ لو كان الله هو المزين للمشركين قتل أولادهم لكان هو الشريك ولو كان كذلك فقد عني إذاً نفسه بهذا القول وهذا غير معروف في اللغة يذكر غيره ويخاطب ، وهو يريد بالذكر نفسه هذا محال في القول لا يقبله العقل وهم هنا يضيفون إلى القناعة الفكرية مجالات لغوية تترتب على قول المجبرة هذا .



ثانياً : منهج المعتزلة في البحث والمناظرة:



والمعتزلة قد وضعوا في العربية الأسس والمنهج الذي بُني عليه علم البحث والمناظرة وهي :

1. ألا تغضب .

2. ولا تعجب .

3. ولا تشغب .

4. ولا تحكم .

5. تُقبل على غيري وأنا أكلمك .

6. ولا تجعل الدعوى دليلاً .

7. ولا تُجوِّز لنفسك تأويل آية على مذهبك إلا جَوَّزت لي تأويل مثلها على مذهبي.

8. وعلى أن تؤثر التصادق وتنقاد للتعارف .

9. وعلى أن كل منا يبغي من مناظرته على أن الحق ضالته ، والرشد غايته .







موقف المعتزلة من الحديث:



- كان موقف المعتزلة كثيراً ما يكون موقف المتشكك في صحته وأحياناً موقف المنكر له لأنهم يحكمون العقل في الحديث لا الحديث في العقل فمثلاً :

· أنكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : [إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ] (2) ، لأنه ينافي قوله تعالى :" لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ..." [الأنعام 103].

· واستهزأ الجاحظ بما روي أن الحجر الأسود كان أبيض فسوده المشركون فقال : كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا .

· وأنكروا حديث :[لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن] (3) ، وقالوا ينبغي إذاً أن تكون الريح عندكم غير مخلوقة لأن كل شيء في الله قديم غير مخلوق .






العقل عند المعتزلة




- اعتبر واصل والمعتزلة من بعده العقل معياراً للحقيقة الدينية في الآيات والتي مكن الله بها العبد من معرفة الحقيقة الدينية ومظهراً من مظاهر عدله تعالى وحكمته.

- والعقل عند المعتزلة عنصر مقدس خصه الله بالقدرة على الفصل بين كل خير وشر ليعين البشر على معرفة آيات توحيده وحكمته فيثبتوا ما غاب عنهم بما شاهدوه وما دلهم القرآن عليه منها .

- وذهب المعتزلة إلى أن دور العقل سابق على الشرع وجعلوا الدليل السمعي تابعاً للدليل العقلي أي أن الدليل العقلي أصلاً والدليل الشرعي فرعاً على الدليل العقلي . أي أن العقل يستطيع أن يصل إلى كليات الأحكام المتصلة بالله وصفاته من التوحيد والعدل ووجوب شكره ، كما أنه يمكن أن يعرف الحسن والقبح على الجملة. وتختص الشريعة بأنها تكشف له عن الطرائق التي يستطيع عن طريقها أن يؤدي هذه الواجبات العقلية وتختص الشريعة :

1. بأن تعرف العقل مقادير الطاعات كالصلاة والصوم والزكاة ومواقيتها وهي أمور لا يستطيع العقل أن يعرفها وإن عرف على الجملة دون تفصيل .

2. وجوب رد الوديعة وشكر المنعم .

- غير أن القول بأسبقية الدليل العقلي على الدليل الشرعي واعتبار الأول أصلاً والثاني فرعاً لا يعني وجود التعارض بينهما فهما متفقان متطابقان . إذ ليس في القرآن إلا ما يوافق طريقة العقل .

- والمعتزلة حاولوا الاحتكام إلى العقل وحده واعتبروه أساساً لفهم الشريعة واعتبروا الشريعة مؤكدةً لما في العقول ومتفقةً معه دون أن تكون هي وحدها الدليل على وحدانية الله وعدله وسائر الأحكام العقلية. ومحال أن تكون دليل بنفسها يمكن الاستدلال بها ابتدءاً .

- وإذا كانت المعرفة الحسية هي أول علم المدركات في العلاقة بينها وبين المعرفة العقلية ، قال الجاحظ : " للأمور حكمان حكم ظاهر للحواس وحكم باطن للعقول والعقل هو الحجة " .





وجه الخلاف بين منهج المتكلمين (المعتزلة) ومنهج الفلاسفة:



- أن المتكلمين اعتقدوا قواعد الإيمان ، وأقروا بصحتها ، وآمنوا بها ، ثم اتخذوا أدلتهم العقلية للبرهنة عليها ، فهم يبرهنون عقليا كما برهن القرآن وجدانيا ، أما الفلاسفة فهم يبحثون المسائل بحثاً مجرداً ويفرضون أن عقولهم خالية من مؤثرات ومن اعتقادات ثم يبدأون النظر منتظرين ما يؤدي إليه البرهان .

- أن المتكلمين وقفوا أكثر ما وقفوا للدفاع عن عقيدتهم ودحض حجج خصومهم ، وسواء كان هؤلاء الخصوم إسلامين أم غير إسلامين فأكثروا من حكاية الأقوال والرد عليها، والفلاسفة وخاصةً الأولين منهم أكثر ما وقفوا عند تقرير الحقائق ، أو على الأقل ما اعتقدوه حقائق وبرهنوا عليها من غير الدخول كثيراً في حكاية الأقوال المخالفة والرد عليها .

- ولاختلاف المنهجين كان بين المتكلمين والفلاسفة في تاريخ الإسلام خصومة رغم ما استفاده بعضاً من بعض ، كالخصومة بين ابن رشد والمتكلمين ، وبين الغزالي والفلاسفة .





الأصول الخمسة عند المعتزلة




- اتخذ المعتزلة لأنفسهم مذهباً أقاموه على خمس أصول اعتبروها أصول الدين التي يجب على المكلف أن يؤمن بها قبل معرفة الفقه والشرع وتمثل هذه الأصول الخمس ما خالف المعتزلة فيه بعض معتقدات الفرق الإسلامية الأخرى .

- والخمس مبادئ والأصول هي :

1. التوحيد .

2. العدل .

3. الوعد والوعيد .

4. المنزلة بين المنزلتين .

5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

- وهناك أمران هما :

§ الأمر الأول : أن هذه الأصول الخمس بما يندرج تحتها من قضايا لم تتوافر للمذهب جملة واحدة منذ نشأته .

§ الأمر الثاني : أن هذه الأصول الخمسة هي قواعد المذهب ومبادئه التي أجمع عليها أقطاب المذهب ولكن هناك للمذهب مبادئ أخرى لم تكن محل اتفاق بين شيوخه .

- ولا يستحق لقب معتزلي من ينكر أياً من هذه الأصول الخمس بالمفهوم الذي أرساه المعتزلة .





1- الأصل الأول: التوحيد



وهو من أهم مبادئ المعتزلة لأنهم ذهبوا في تفسيره تفسيراً خاصاً وبلغوا في تحليله وفلسفته أقصى حد . وجاء قولهم بأن الاستدلال على التوحيد بآيات القرآن لا يمكن إلا بعد معرفة حال الفاعل تعالى بأدلة العقل ، وأنه حكيم لا يختار القبيح ، فالخبر لا يعلم بصيغته أنه صدق أو كذب إلا إذا علم حال المخبر .

وأوضحوا معنى التوحيد في جلاء كما يدل عليه العقل فهو تنزيه لله سبحانه تنزيهاً مطلقاً لا تشوبه شائبة شبه بالمخلوقات واستدلوا بآيات كثيرة تدل على التنزيه مثل قوله تعالى "… لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ …" [الشورى 11].

وقالوا إننا نستمسك بآيات التنزيه ونشرحها ونوضحها ونحللها ونتعرض للآيات الأخرى مثل الاستواء والوجه واليدين ونتناولها تأويلاً يتفق والتنزيه لأن الإسلام دين توحيد وتنزيه . ولا نكتفي بالإيمان الغامض بالآيات المتشابهة لأن العقل لا يقنع بالغموض وله حق الشرح والتأويل والتوفيق بين الآيات.

ويروون عن النظام (أحد علماء المعتزلة في البصرة) أنه حين حضرته الوفاة قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أقصر في نصرة توحيدك ولم أعتقد مذهباً من المذاهب اللطيفة إلا لأنشد به التوحيد فما كان يخالف التوحيد فأنا منه بريء اللهم إن كنت تعلم أني كما وصفت فأغفر لي ذنوبي وسهل علي سكرة الموت .

وكان علماء المسلمين في ذلك العصر يؤمنون بالتنزيه إيماناً إجمالياً ويمسكون عن الكلام في الآيات الأخرى كآية الاستواء على العرش والوجه واليدين ويقولون أننا نؤمن بوجود الله ووحدانيته ولا نذهب وراء ذلك لأنه لا يجب علينا أن نعرفه وإنما يجب علينا أن نؤمن به كما ورد ، وإذا دخلنا في تفصيل ذلك وتأويله كان تأويلنا هو قولنا لا قول الله وهو عرضه للخطأ .

وأجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسم ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار وأنه القديم وحده ولا قديم غيره .

ولما كان المعتزلة يعتقدون بوحدانية الله عز وجل ويرون أنه واحد وليس كمثله شيء وأنه تعالي قديم وما دونه محدث وأن القدم أخص وصف لذاته الكريمة فإنهم حاربوا كل مذهب وكل قول يرون بعقولهم أنه يتعارض مع الوحدانية فيجعل لله شركاء في الأزلية ويشبه الله بخلقه أو يشبه خلقه به أو بعبارة أخري أنهم نفوا عن الله تعالي جميع صفات المحدثات.



- وقد ثار الجدل بين المعتزلة ومعارضيهم حول بعض المسائل منها:

1- مسألة صفات الله :

فقد نفي المعتزلة صفات الله سبحانه لأن إثبات الصفات يعني تعدد القدماء وهذا بدوره يؤدي إلى الشرك بالله أي يتصادم مع عقيدة التوحيد لهذا يقول المعتزلة أن الله عالم بذاته قادر بذاته مريد بذاته حي بذاته .

(ولكن خصوم المعتزلة عدوا ذلك تعطيلاً للصفات الإلهية ) .

وقد حاول الخياط أن يثبت لماذا ذهب المعتزلة إلى أن الله عالم بذاته وليس بعلم زائد على ذاته فقال : أنه لو كان عالماً بعلم فإما أن يكون ذلك العلم قديماً أو محدثاً ولا يمكن أن يكون قديماً لأن هذا يوجب وجود اثنين قديمين وهو قولٌ فاسد ، ولا يمكن أيضاً أن يكون علماً محدثاً لأنه لو كان كذلك يكون قد أحدثه الله في نفسه أو في غيره وهو منزه عن أن يكون حدثاً فلا يبقى إلا حال واحد أن الله عالم بذاته .

وقال آخرون من المعتزلة باعتبار الصفات هي الذات فقال أن الله عالم وعلمه ذاته ، قادر بقدرة وقدرته ذاته ، حي بحياة وحياته ذاته .

إلا أنهم شذوا عن هاتين القاعدتين في بعض الصفات الأخرى ولاسيما الإرادة والكلام والسمع والبصر فلم يقولوا أن الله مريد بذاته ، متكلم بذاته ، سميع بذاته ، بصير بذاته ، ولا قالوا أنه تعالى مريد بإرادة وإرادته ذاته ، متكلم بكلام وكلامه ذاته ، سميع بسمع وسمعه ذاته ، بصير ببصر وبصره ذاته .

فقال أكثر المعتزلة ولاسيما البصريين منهم في إرادة الله تعالى أنها ليست قديمة بل محدثة لا في محل ، بها يخصص الله الأشياء بالوجود دون العدم .

2- مسألة رؤية الله بالأبصار :

رأى المعتزلة أنه إذا انتفت الجسمية انتفت الجهة وإذا انتفت الجهة انتفت رؤية الناس له تعالى . واستدلوا أيضاً بأدلة نقلية مثل قوله تعالى : " لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ..." [الأنعام 103] .

ومثل قوله تعالى :" وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" [الأعراف 143].

فقوله لن تراني يثبت نفي الرؤية مع تأكيده .

§ وقال خصوم المعتزلة أن الآية تدل على إنكار الرؤية لأن موسى سألها ولو كانت مستحيلة لما سألها . كما أن ورود خبر الرؤية في الحديث الشريف عن جرير قال : (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بدر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ) صحيح البخاري . وأجاب المعتزلة إجابات كثيرة عن هذا السؤال منها أن قوم موسى كانوا طلبوا أن يروا الله جهراً فأنكر موسى عليهم وأعلمهم خطأهم ونبههم إلى الحق فألحوا فأراد أن يسمعوا النص من كلام الله فطلبه للرؤية ترجمةً عن مقترحهم .

واستدلوا أيضاُ بأن الله عاقب قوم موسى الذين سألوه أن يريهم الله فأخذتهم الصاعقة بظلمهم وقالوا لو طلبوا جائزاً لما سُموا ظالمين ولما أخذتهم الصاعقة كما سأل إبراهيم أن يريه إحياء الموتى فلم يسميه ظالماً وما رماه بالصاعقة (فرؤية الله بالأبصار محال أن يراه المؤمنون ويعلمونه بقلوبهم ) رؤية قلبية فقط .

§ غير أن المعتزلة وقفوا حيارى أمام النصوص الشرعية التي تثبت الرؤية . أما الحديث فإنهم كذبوا رواته وطعنوا في إسناده .

§ بالغ المعتزلة في قولهم بنفي الرؤية وتعصبوا له تقريباً كتعصبهم لخلق القرآن فصاروا يكفرون من يجيزها على جهة المقابلة وكان أبو موسى المردار أحد أشياخهم يقول من ذهب إلى أن الله تعالى يُرى بالأبصار بلا كيف فهو كافر وكذلك الشاك في كفره والشاك في الشاك إلى ما لا نهاية لأنه شبه الله بخلقه والتشبيه عنده كفر .

§ ويروى أن الخليفة الواثق حين أراد أن يفادي الأسرى المسلمين لدى الروم رفض فداء الأسرى الذين لم يقروا بخلق القرآن وبأن الله لا يُرى بالأبصار يوم القيامة .



3- مسألة صفة الكلام :

الكلام لا يمكن أن يكون صفة لله تعالى هي ذاته كالعلم والقدرة . فالكلام عند المعتزلة حروف منظمة وأصوات مقطعة شاهداً وغياباً والكلام ليس جنس ولا نوع ذا حقيقة عقلية كسائر المعاني بل هو مجرد اصطلاح ولا يكون إلا باللسان فمن قدر عليه فهو المتكلم ومن لم يقدر فهو الأعجم الأبكم .

واختلف المعتزلة بعد ذلك في الكلام أهو جسم أم عرض فرأى بعضهم أنه جسم وأنه لا شيء إلا جسم وقال آخرون كأبي الهذيل و معمر وجعفر بن حرب أن الكلام عرض . وأما النظام وأصحابه ذهبوا إلى أن كلام الخلق عرض وأنه حركة لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة وأن كلام الله جسم وعلى ذلك فكلام الله تعالى مخلوق محدث لأن الأجسام والأعراض لا يمكن أن تكون إلا كذلك وقد أحدثه الله تعالى وإذا كان كلام الله مخلوق فالقرآن أيضاً مخلوق لأنه كلامه ويرون أن الله تعالى متكلم ولكن لا بكلام قديم بل بكلام محدث يحدثه وقت الحاجة إلى الكلام وأن هذا الكلام المحدث ليس قائم به تعالى بل خارجاً عن ذاته العلية يحدثه في محل فيسمع من المحل وقد اشترطوا في المحل أن يكون جماداً حتى لا يكون هو المتكلم به دون الله . ولهذا اضطر المعتزلة إلى أن يلجأوا إلى التأويل في الآية " …وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً " [النساء 164] .

فقالوا أن الله خلق كلاماً في شجرة وخرج منها الكلام فسمعه موسى عليه السلام .

4- مسائل التشبيه والتجسيم الأخرى :

- أجمع المعتزلة على نفى الجهة عن الله سبحانه وتعالى لأنهم اعتقدوا أن إثباتها يوجب إثبات المكان والجسمية فمنهم من ذهب إلى أن الله لا في مكان وأكثرهم ذهب إلى أنه تعالى في كل مكان بمعنى أنه عالم بما في كل مكان مدبر له . واعتبر المعتزلة جميع الآيات القرآنية التي تتضمن معنى الجهة مجازاً وتأولوها فكان تأويل بعضهم للكرسي في الآية " ...وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ..." [البقرة 255] ، أنه علم الله فيكون علمه تعالى قد وسع السماوات والأرض ، ومعنى الاستواء في الآية " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه 5] ، الاستيلاء أي الملك والقهر.

- تأويل الوجه واليد والجنب: رفض المعتزلة أن يكون لله تعالى وجه هو جزء منه ففي الآيات " وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن 27] ، " ... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ... " [القصص 88] ، إن كلمة الوجه زائدة فيكون المعنى ويبقى ربك وذهب بعضهم أن وجه الله تعالى هو قبلته أو ثوابه أو جزاؤه .

وتأويل اليد في الآيات " … يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ …" [الفتح 10] ، أي القدرة أو النعمة .

وجنب الله في الآية "... يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ..." [الزمر 56] ، أي أمر الله .

مسألة خلق القرآن



- كان طبيعياً أن تثار مسألة خلق القرآن وكلام الله وهي أبرز شيء كان في تاريخ المعتزلة لما اتصل بها من أحداث تاريخية وسياسية واجتماعية.

- يرى المعتزلة أنه لا خلاف بين جميع أهل العدل والتوحيد في أن القرآن مخلوق محدث مفعول - لم يكن ثم كان- ذلك لأنهم رأوا في القول بقدم القرآن "ما يشبه القول بقدم الكلمة " وإذا كان المسيح هو كلمة الله فإن القول بقدم الكلمة يعني موافقة النصارى في إلوهية المسيح ، فالقول بخلق القرآن جاء رداً على ركن من أركان المسيحية وهو الاعتقاد أن المسيح هو كلمة الله الأبدية فهو قول إذاً ذو صلة وثيقة بأصل التوحيد.

- واتفق المعتزلة على أن كلام القرآن محدث مخلوق في محل – وهو حرف وصوت – كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه فإن ما وجد في المحل عرض فني في الحال.

- وكان دليلهم على ذلك أن قالوا: أنه ثبت بالقرآن أن الله ذاته وصفاته وحدة لا تقبل التجزئة بحال من الأحوال – وثبت بالبرهان أن ذات الله وصفاته لا يلحقها تغيير – ولا تقوم بها المحدثات - فالله تعالى أسند إلى نفسه الكلام – فقال "... وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا " ]النساء 164 [، وسمي القرآن كلام الله تعالى في قوله " وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ... " ]التوبة 6 [.

- قالت المعتزلة إذا كان الله وصفاته وحدة لا تقبل التغيير فمحال أن يكون القرآن كلام الله على معنى أنه صفة من صفاته لأنه لو كان كذلك لكان هو وذاته وبقية صفاته شيئاً واحداً ، ونحن نرى أن في القرآن أمراً ونهياً ووعداً ووعيداً وخبراً واستخبارا فهذه حقائق مختلفة وخصائص متباينة ، ومن المحال أن يكون الواحد متنوعاً إلى خواص مختلفة وهذه الخواص قد تتضاد كالذي بين الأمر والنهي فالقرآن نوع من الكلام يخلقه الله وإنما سمي كلام الله لأنه خلق الله من عير واسطة وهذا هو الفرق بينه وبين كلامنا. فكلامنا وألفاظنا تنسب إلينا وأما القرآن فخلق الله مباشرةً والحروف التي نكتبها في المصحف أو ننطق بها من صنعنا، وإنما وجب لها التعظيم.

- وقالوا ثم إذا كان القرآن كلاماً أزلياً هو صفة من صفات الله ترتب على ذلك جملة إستحالات وهذه هي أدلتهم العقلية:

1. إن الأمر لا قيمة له ما لم يصادف مأموراً . فلا يصح أن تصدر "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ..."]البقرة 43 [، إلا إذا كان هناك مأمورون بالصلاة ولم يكن في الأزل مأمورين مخاطبون، ومحال أن يكون المعدوم مأمور، والأمر من غير مأمور.

2. أن الخطاب مع موسى عليه السلام غير الخطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم فمناهج الكلام مع الرسولين مختلفة ويستحيل أن يكون معنى واحد والخبرين عن أحوال الأمتين مختلفان لاختلاف أحوال الأمتين فكيف يتصور أن يكون حالتان مختلفتان يخبر عنهما بخبر واحد ، والقصة التي جرت ليوسف وأخوته غير القصة التي جرت لآدم وإبراهيم ونوح فإذا أختلف القرآن كل هذه الاختلافات استحالة أن يكون الكلام صفة الله وهو الواحد في ذاته وصفاته التي لا يختلف ولا يطرأ عليها اختلاف .

3. إن المسلمين اجمعوا قبل ظهور هذا الاختلاف على أن القرآن كلام الله واتفقوا على أنه سور وآيات وحروف منتظمة وكلماتٌ مجموعة ومقروءة ومسموعة لها مفتتح ومختتم وهو معجزة الرسول وأجمعت الأمة على أنه بين أيدينا نقرأه بألسنتنا ونبصره بأعيننا ونسمعه بآذاننا ، ومحال أن يكون هذا كله وصفاً لصفة الله فالكلام الأولى الذي هو صفة الله لا يوصف بمثل هذه الأوصاف .

- أما أدلتهم النقلية :

1. إن الله تعالى يقول " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ... "]ص71 [، وإذ ظرف زمان ماضي ، فيكون قوله الواقع في هذا الظرف مختص بزمان معين والمختص بزمان معين محدث .

2. يقول الله "... كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ... "]هود 1 [، وهذا يدل على أن القرآن مركب من الآيات التي هي أجزاء متعاقبة فيكون حادثاً.

3. قوله تعالى " ... حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ... "]التوبة 6 [، والمسموع حادث لأنه لا يكون إلا حرفاً وصوتاً.

4. إنه تعالى عبر عن القرآن بقوله " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ..." ]يوسف 2 [، ولا شك أنه لا إنزال في الأزل.

5. إن القرآن نص على نسخ بعض الآيات بقوله " مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ... "]البقرة 106[ ، ولا يتصور النسخ إلا في الحادث، لأن القديم ليس عرضه لذلك.

- أما السلف فيقولون (لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق فإثارة هذه المسألة بدعة لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ونقف عند قولنا القرآن كلام الله وهذا هو ما قاله الله تعالى في قرآنه الكريم ) .

- واستتبعت مشكلة خلق القرآن نتائج خطيرة حين أراد الخليفة المأمون أن يفرض فكره على الناس بأن القرآن مخلوق ويجعلها عقيدة. والممتحن فيها كان المحدثون والفقهاء وإن خالفوا هذا القول يُضطهدون في أموالهم وأنفسهم فيجلدون ويحبسون وتقطع أرزاقهم ولا تقبل شهادتهم و كان على رأس الفقهاء في هذا الوقت الإمام أحمد بن حنبل حين عد القول بخلق القرآن بدعة وزندقة ولا تصح الصلاة خلف من قال بها إلى أن انتهى الأمر بحرق كتب المعتزلة لأنها تحمل القول بخلق القرآن .

- وأصر أحمد بن حنبل على امتناعه عن القول بخلق القرآن وأصرت دولة المعتصم على حمله ذلك ، وظل محبوساً من آخر حكم المأمون ، وكان يتسلل إليه قوم ، منهم عمه إسحاق بن حنبل ، يطلبون إليه أن يقول بخلق القرآن تقيه كما قال غيره من العلماء فيقول ( إذا أجاب العالم تقية ، والجاهل يجهل ، فمتى يتبين الحق ) فذكر له ما روي في التقية من الأحاديث فقال : كيف تصنعون بحديث خباب : (( إن من كان قبلكم ينشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه )) فيأسوا منه وهذه خلاصة المناظرة :

المعتصم: ما تقول ؟

ابن حنبل : أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدك بن عباس يحكي أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله فقال أتدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم . قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم (يعني أحمد بن حنبل أن ليس منها القول بخلق القرآن ) يا أمير المؤمنين : أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله أقول بها .

أحد الحاضرين قال : قال الله تعالى " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ... "]الأنبياء 2[ ، أفيكون محدث إلا مخلوق ؟ .

ابن حنبل : قال الله تعالى "... وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ "]ص 1[ ، فالذكر هو القرآن وتلك ليس فيها ألف ولام .

آخر : أليس قال الله خالق كل شيء ؟

ابن حنبل : قال تعالى " تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ..." ]الأحقاق 25[ ، فهل دمرت إلا ما أراد الله ؟

ثالث : ما تقول في حديث عمران بن حصين : إن الله خالق الذكر ؟

ابن حنبل : هذا خطأ ، إن الرواية "إن الله كتب الذكر" .

رابع : جاء في حديث ابن مسعود : " ما خلق الله من جنة ولا نار ، ولا سماء ولا أرض ، أعظم من آية الكرسي " .

ابن حنبل : إنما وقع الخلق على الجنة والنار ، والسماء والأرض ولم يقع على القرآن .

خامس : إن القول بأن كلام الله غير مخلوق يؤدي إلى التشبيه .

ابن حنبل : هو أحد صمد لا شبيه له ولا عدل ، وهو كما وصف به نفسه .

المعتصم : ويحك ما تقول ؟

ابن حنبل : يا أمير المؤمنين أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله .

بعض الحاضرين : يحاجه بحجج عقلية .

ابن حنبل : ما أدري ما هذا إنه ليس في كتاب الله وسنة رسوله .

بعض الحاضرين : يا أمير المؤمنين إذا توجهت له الحجة علينا وثب وإذا كلمناه بشيء يقول لا أدري ما هذا .

ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل مبتدع .

واستمرت هذه المناظرات ثلاثة أيام فلما ملوا مناظرته ويأسوا منه أمر المعتصم بضربه بالسياط فضرب ثمانية وثلاثون سوطاً .

- أتى الواثق بشيخ بحضرة ابن أبي دؤاد فسأل : ما تقول في القرآن ؟ قال الشيخ لابن أبي دؤاد : لم تنصفني ولي السؤال. قيل : سل . قال : هل هذا شيء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر والخلفاء ؟ أم شيء لم يعلموه ، فقال ابن أبي دؤاد : لم يعلموه . فقال الشيخ : سبحان الله أشيء لم يعلموه ، أعلمته أنت وفي رواية أنه أعاد عليه السؤال ، فقال ابن أبي دؤاد :علموه ولم يدعوا إليه . فقال الشيخ: هل وسعهم ذلك؟ قال : نعم . قال الشيخ: أفلا وسعك ما وسعهم ؟! .

- وما رواه العقد الفريد أن بشر المرسي كتب إلى أبي يحيى منصور ابن محمد يسأله : القرآن خالق أو مخلوق ؟ فكتب إليه أبو يحيى : (( عفانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة ومن من لا يرغب بنفسه عن الجماعة ، فإنه إن يفعل فأعظم بها منه ، وإن لا يفعل فهي الهلكة ، ونحن نقول أن الكلام في القرآن بدعة يتكلف المجيب ما ليس عليه ، ويتعاطى السائل ما ليس له ، وما نعلم خالقاً إلا الله ، وما سوى الله فمخلوق ، والقرآن كلام الله ، فإنتهي بنفسك إلى أسمائه التي سماه الله بها ، فتكون من المهتدين ، ولا تسمي القرآن بإسم من عندك فتكون من الضالين جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.

- وأدخلوا المسألة في المزاح والأدب أيضاً رووا أن رجلاً من الظرفاء سمع آخر يقرأ قراءةً قبيحة ، فقال : (( أظن هذا هو القرآن الذي يزعم ابن أبي دؤاد أنه مخلوق)) .

- ودخل عبادة المخنث على الواثق وقال له: يا أمير المؤمنين، أعظم الله أجرك في القرآن. قال: ويلك، القرآن يموت ؟ قال: يا أمير المؤمنين كل مخلوق يموت ، فبالله يا أمير المؤمنين من يصلي بالناس التراويح إذا مات القرآن ؟ فضحك الخليفة وقال : قتلك الله ! أمسك .





2- الأصل الثاني: العدل



يرتبط هذا الأصل عند المعتزلة ارتباطا وثيقاً بأصل التوحيد فالله سبحانه بمقتضي أصل التوحيد يستحق التنزيه المطلق الذي لا تشوبه شائبة ومن النظرة الاعتزالية أن الله لا يعاقب إنساناً على ذنب لا إرادة له فيه لأن هذا ظلم والظلم من صفات المخلوقين لا من صفات الخالق فهو ليس كمثله شيء.

وأصل العدل يقوم على إيمان المعتزلة بمبدأ الحرية والاختيار وعلى إنكارهم لعقيدة الجبر أي يقوم على إيمانهم بعقيدة "القدر" وهي أن للعبد قدرة على أفعاله وحرية في اختيارها فأجمع المعتزلة على أن العباد خالقون أفعالهم مخترعين لها .

كذلك لم ينكر المعتزلة أن القدرة التي يقوم بها الإنسان بأعماله من الله ولكنهم اختلفوا في متى يمنح الله تعالى الإنسان هذه القدرة ، فمنهم من يرى أن الله يخلق القدرة في الإنسان عند مباشرة كل عمل من أعماله أي أن الإنسان يعمل بقدرة حادثة وأكثر المعتزلة يتبعون هذا الرأي ومنهم من يرى أن الله يخلق القدرة في الإنسان جملةً .

ومما يدل على أن العباد محدثون لأفعالهم أن في أفعال العباد ما هو ظلم وجور فلو كان الله تعالى خالق لها لوجب أن يكون ظالماً جائراً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . قال تعالى:"…وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" [فصلت 46] ، وقال أيضاً "…وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [النحل : 118] .

- ووصلوا بأبحاثهم إلى مسائل كثيرة أهمها :

1. أن الله يسير بالخلق إلى غاية وأن الله يريد خير ما يكون لخلقه .

2. أن الله لا يريد الشر و لا يأمر به .

3. أن الله لا يخلق أفعال العباد لا خيراً ولا شراً وأن إرادة الإنسان حرة والإنسان خالق أفعاله من أجل هذا كان مثاباً على الخير معاقباً على الشر .

- في المسألة الأولى : قالوا أن الحكيم إما أن ينتفع أو ينفع غيره ولما تقدس الله تعالى عن الانتفاع تعين أنه إنما يفعل لينفع غيره .

ومن المعتزلة من قال بأنه يجب على الله أن يعمل ما فيه صلاح لعباده كما قالوا بأنه واجب على الله تعالى أن يخلق الخلق لأن خلقهم فيه نفع لهم وصلاح وذلك أن يتوصلوا إلى معرفة الله ووحدانيته فيعبدونه ويشكرونه على آلائه وتفضله عليهم فيستحقون ثواب الأبد ونعمة الخلود فيكون خير الله تعالى قد حمله على خلق العباد لِعلَّة وتلك العلة هي نفعهم وصلاحهم وكل ما يناله الإنسان في الدنيا في الحال والمال والسراء والضراء والغنى والفقر والصحة والمرض والحياة والموت فهو صلاح لهم. ولهذا كان الجبائي يقول: أن الأصلح ليس هو الألذ بل هو الأجود والأصوب في العاقبة .

ويرى المعتزلة أن بعد أن خلق الله العالم لا يستطيع أن يزيد فيه ذرة واحدة ولا أن ينقص منه ذرة لأنه قد علم أن أصلح الأمور كونه على ما هو عليه .

- المسألة الثانية : أن الله لا يريد الشر ولا يأمر به. فإنهم لما قرروا أن الله عادل حكيم وأن أعماله لغاية وأنه يتبع العدل في أعماله للوصول إلى هذه الغاية كان من الطبيعي أن يثيروا مسألة الحسن والقبيح في الأعمال . فرأوا مثلاً أن الكذب فيه قبح ذاتي والصدق فيه حسن ذاتي ومن أجل هذا لا يجوز على الله الكذب لما في الكذب من قبح وأنه لابد أن يقول الله الصدق لما في الصدق من حسن ذاتي ، فجميع الأعمال الحسنة من عدل وصدق ، وشجاعة وكرم ، فيها نفسها صفة جعلتها حسنة وجعلتنا نحكم عليها بالحسن إذا رأيناها ، وجميع الأعمال القبيحة من ظلم وكذب وجبن وبخل ، فيها ذاتها جعلتها قبيحة وجعلتنا نحكم عليها بالقبح ، والشرع بأمره بأشياء ونهيه عن أشياء إنما يتبع في ذلك ما في الأشياء من حسن وقبح وكذلك العقل يستحسن أشياء لإدراكه ما في الأشياء ذاتها من حسن ويستقبح أشياء لإدراكه ما في الأشياء ذاتها من قبح ، فالشرع في تحسينه وتقبيحه للأشياء مخبر عنها لا مثبت لها ، والفعل مدرك لها لا منشئ فهو يدرك الحسن والقبح بالضرورة.

واستدلوا على هذه النظرية بأدلة منها :

- أن الناس قبل ورود الشرائع كانت تتحاكم إلى العقل وتتجادل بالعقل.

- لو لم يكن في الأشياء حسن وقبح ذاتيان لأفحمت الرسل وما استطاعوا الدعوة لأنهم يطلبون النظر إلى الأشياء بعقولهم.

- لو لم يكن في الأفعال ذاتها حسن وقبح لما أمكن الفقهاء أن يعملوا عقولهم في المسائل التي لم يرد فيها نص.

ورتب المعتزلة على هذا الرأي أن الإنسان مكلف قبل ورود الشرائع- أو إذا لم تبلغه دعوة الرسل – بما يدل عليه العقل فهو مكلف بشكر المنعم ومكلف بمكارم الأخلاق ولو لم يصل إليه الشرع في ذلك. وكل ما ورد بالشرع لا يمكن الزيادة فيه أو النقصان منه فما أوجبه الشرع لم يكن جائزاً سقوطه وما أسقطه لم يكن جائزاً وجوبه .

كان خصومهم يرون غير هذه النظرية فيرون أن الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله والقبح ما ورد الشرع بذم فاعلة وليس الشرع يمدح ويذم ويوجب وينهي تبعاً لما في الشيء من حسن وقبح ذاتيين. بل الحسن والقبح تابعان لأمر الشرع ونهيه.

فمثلاً القتل قد يكون قبيحاً في موضع وقد يكون حسناً في موضع آخر ولو كان ذاتياً لم يتبدل بالإضافة إلى الأحوال. والشرائع نفسها تشرع أشياءً لقوم وتشرع غيرها لآخرين فلو كان هناك حسن وقبح ذاتيين لم تتغير الشرائع بتغير الزمان والمكان والناس .

-المسألة الثالثة: أما مسألة الإرادة أي إرادة الله بالكائنات فقالوا أن الله أراد ما كان من الأعمال خيراً أن يكون وما كان شراً أن لا يكون وما لم يكن خيراً ولا شراً فهو تعالى لا يريده ولا يكرهه أي أن الله مريد لما أمر به من الطاعات أن يكون ولا يريد منا المعاصي فلا يريد الكفر والفسوق والعصيان أما المباحات فلا يريدها ولا يكرهها.

وكان خصومهم يرون في هذه المسألة أن الله مريد لجميع ما كان غير مريد لما لم يكن ( فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) فالمعتزلة يقولون أن كفر الكافرين وعصيان العاصين لم يُرِدْهما الله ، وخصومهم يقولون أرادهما.

والمعتزلة يقولون أن أفعال العباد مخلوقة لهم ومن عملهم هم لا من عمل الله ومن اختيارهم المحض ففي قدرتهم أن يفعلوها أو أن يتركوها من غير دخل لإرادة الله وقدرته.

وأيضاً لو لم يكن الإنسان خالق أفعاله لبطل التكليف ولما كان هناك ثواب أو عقاب بل ما كان لنبوة نبي وإصلاح لمصلحٍ فائدة واستدلوا بآيات كثيرة "… إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ …" [الرعد 11] ، "… فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ …" [الكهف 29].

من ناحية أخرى يرى خصومهم إذا كان العبد خالق أعماله ترتب عليه تحديد قدرة الله وأنها لم تشمل كل شيء وأن العبد شريك لله تعالى في إيجاد ما في هذا العالم والشيء الواحد لا يمكن أن تتعاون عليه قدرتان هذا إلى النصوص القرآنية الكثيرة الدالة على شمول إرادة الله وقدرته.

وكما أن المعتزلة في دفاعهم راحوا يحاربون كل شيء يتعارض مع هذا المبدأ ويفندونه ، كذلك حاربوا كل قول أو فكرة تتنافى مع مبدأ العدل الإلهي من ذلك أنهم نفوا المحاباة عن الله وقالوا أن الله تعالى سوى بين العقلاء في النعم الدينية ولم يخص الأنبياء والملائكة بشيء من التوفيق والعصمة ولا بشيء من نعم الدين دون سائر المكلفين. وقال النظام أن الله لا يستطيع أن يزيد في نعيم أهل الجنة ولا أن ينقص من عذاب أهل النار. ثم أن المعتزلة أنكروا الشفاعة في الذنوب يوم القيامة لأنها تتضمن معنى المحاباة ورفضوا أن تكون الأرزاق مقدرة فقالوا أن الله لا يقسم الأرزاق إلا على الوجه الذي حكم به الشرع وأنه لا يرزق الناس الحرام . والأرزاق يجوز أن تزيد وتنقص بالطلب والتواني .






3- الأصل الثالث: المنزلة بين المنزلتين


- ارتبط هذا الأصل بنشأة المعتزلة والذي أطلق هذا الاسم هو واصل بن عطاء .

ويحاول المعتزلة الرجوع إلى مفهوم المنزلة بين المنزلتين إلى الإمام علي كرم الله وجهه عندما سئل عليه السلام في أهل البغي: أكفار هم ؟ قال : (هم من الكفر فروا) . فقالوا: أمسلمين هم ؟ قال : (لو كانوا مسلمين ما قاتلناهم –كانوا إخواننا بالأمس ثم بغوا علينا ) فلم يسمهم كفاراً ولا مسلمين.

- ووصل واصل بن عطاء إلى هذا الاسم عندما قال رأيه في حلقة الحسن البصري التعليمية عندما سئل :هل مرتكب الكبيرة منافق أم فاسق ، وهل هو خالد في النار أم لا ؟ فكان رأي الحسن البصري أنه منافق خالد في النار ولهذا كان اختلاف واصل معه إذ قال واصل في الفاسق :- الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمي المرء مؤمناً وهو اسم مدح والفاسق لم يستجمع خصال الخير فلا يستحق اسم المدح فلا يسمى مؤمناً وليس هو بكافر أيضاً لأن الشهادة وبعض أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالداً فيها إذ ليس في الآخرة إلا فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار.

- وقال المعتزلة أن المعاصي التي يرتكبها الناس تنقسم إلى صغائر وكبائر ، واختلفوا في تعريف الصغيرة والكبيرة ، وأشهر أقوالهم أن الكبيرة ما أتى فيها الوعيد والصغيرة ما لم يأتي فيها الوعيد.

- ولهم أبحاث عديدة في هل يصح أن تكون مجموعة الصغائر تساوي كبيرة أم لا – وهل تغفر الصغائر ما لم ترتكب الكبائر .

- وقالوا أن بعض الكبائر بعضها يصل من كبره إلى حد الكفر. مثل من شبه الله في خلق أو جوزه في حكمه أو كذبه في خبره فقد كفر.

- وهناك كبائر أقل من هذه يسمى مرتكبها فاسق ، وعليه فالفاسق عند المعتزلة في منزلة بين المنزلتين لا كفر ولا إيمان.

- قالوا أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ولو صدق بوحدانية الله وآمن برسوله استشهادا بقوله تعالى " بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "[البقرة 81] ، وقوله تعالى " وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" [النساء 14] .

وتشدد كثير من المعتزلة في موقف المعصية من الطاعة وهل تحبطها ؟ فذهب المتشددون إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط جميع الطاعات وبعضهم ذهب إلى المعادلة – فمن زادت معاصيه على طاعاته أحبطتها ومن زادت طاعته على معاصيه أحبطت عقاب ذلاته.

- ويقول واصل :"وجدت أحكام الكفار والمؤمنين المجمع عليها والمنصوصة في القرآن كلها زائدة عن صاحب الكبيرة فوجب زوال اسم الكفر والإيمان عنه بزوال حكمه ".

- ومضى عمرو بن عبيد والمعتزلة بعد واصل على هذا النهج الكلامي يجمعون الآيات الواردة في الموضوع الواحد يستخلصون العلة وراء ما فيها من أحكام عن طريق التقليب العقلي ويصححون أخطاء السلف مثال ذلك:-

إثباتهم لتوبة القاتل المسلم (والتي نفاها الحسن وكثير من السلف) فقال عمرو بن عبيد (ليس يخلو القاتل إما أن يكون كافراً أو فاسقاً أو منافقاً ، فإن كان كافراً فقد قال تعالى " قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ …" [الأنفال 38] ، وإن كان منافقاً فقد قال تعالى " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ ..." [النساء 145،146] ،وإن كان فاسقاً فقد قال تعالى" ... وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ ... " [النور 5،4].

وكان هذا المنهج الكلامي هو الأثير لدى المعتزلة في التفسير طوال القرن الثاني الهجري.





4- الأصل الرابع: الوعد والوعيد



إذا كان أصل العدل مرتبطاً عند المعتزلة بأصل التوحيد فإن أصل الوعد والوعيد مرتبطاً بهذين الأصلين معاً .

فالمعتزلة يرون أن وعد الله للطائعين بالثواب ووعيده للعصاه بالعقاب لابد أن يتحقق . لأن الله المنزه عن كل شبه بالمخلوقات وذلك بمقتضى أصل التوحيد ، يتعالى عن أن يكون كاذباً في وعده ووعيده. ثم أن إخلاف الوعد والوعيد يتنافى أيضاً مع مبدأ العدل الإلهي. فمن العدل أن ينال كل إنسان ما يستحق من ثواب أو عقاب. واستدلوا على ذلك بالكثير من الآيات منها " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ " [الزلزلة 7،8] ،"… مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ …" [النساء 123]. وقد إضطر المعتزلة إلى أن يأولوا الآيات التي يفهم ظاهرها خلاف ما يعتقدون من ضرورة تحقيق الله تعالى لوعده ووعيده ومن ذلك "… إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً …" [الزمر : 53] ، فهم يقولون يجب أن يكون المراد به أنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً بالتوبة .

وقد تشدد المعتزلة في تمسكهم بأصل الوعد والوعيد فهم يوجبون على الله تعالى أن يحقق وعده ووعيده وهذا الأصل الاعتزالي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضايا السياسية فقد أراد المعتزلة أن يغلقوا باب الأمل أمام الحكام الظالمين الذين كانوا ينتهكون حدود الله ثم يطمعون في غفرانه أو في شفاعة رسوله . فحكم الله نافذ ولا مهرب أمامه إلا بالتوبة النصوح – وربطوا الثواب والعقاب بالأعمال ربطاً حتمياً وغلا بعضهم في التعبير فقال (يجب على الله أن يثيب المطيع ويعقاب مرتكب الكبيرة . فصاحب الكبيرة إذا مات ولم يتب لا يجوز أن يعفو الله عنه لأنه وعد بالعقاب على الكبائر فلو لم يعاقب ، لزم الخلف في وعيده ، ولأن الطاعات والأمر بها والمعاصي والنهي عنها وضعت لتحقيق غايات ، فمن لم يطع أخل بهذه الغايات فاستوجب العقاب ، ويقولون أن الثواب على الطاعات والعقاب على المعاصي قانون التزم به الله تعالى ).





5- الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



· هذا الأصل يشترك فيه المسلمون عامة عملاً بقوله تعالى " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [آل عمران 104] ، وقوله سبحانه على لسان لقمان لابنه " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ ..."[لقمان 17] .

· ولكن من عهد الصحابة إلى هذا العصر والمسلمون مختلفون في مدى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فمنهم من رأى هذا الوجوب يكفي فيه القلب ، واللسان إن قدر عليه ، ولا يصح أن يكون بالقوة أو بالسيف . وقد رأى هذا القول سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وابن عمر –ومن أجل ذلك اعتزلوا ولم يشاركوا في القتال مع معاوية أو علي رضي الله عنه وتبعهم في ذلك أكثر المحدثين وعلى رأسهم أحمد بن حنبل .

· ويرى غيرهم أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك.

· ويرى المعتزلة في هذا الأمر الآتي:-

o يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بالقلب إن كفى وباللسان إن لم يكف القلب ، وباليد إذ لم يغنيا ، وبالسيف إن لم تكفي اليد. واستشهدوا على ذلك من الآية " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ..." [الحجرات 9] ، واستشهاداً بالحديث الشريف [لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعذاب من عنده] (4).

o ولعل أوضح ما يبين وجهة نظر المعتزلة في هذا الأصل ما ذكره الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ ..." وملخص ما قالوا أن هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات لأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والنهى عن المنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشره ، فإن الجاهل قد ينهي عن معروف ويأمر بمنكر – وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة .

· وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه سئل وهو على المنبر من خير الناس ؟ قال : آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم](5).

· فهناك القبائح المعروفة الظاهرة وهذا يتولى النهي عنها كل إنسان فمن رأى غيره تاركاً للصلاة وجب عليه الإنكار لأنه معلوم قبحه لكل إنسان ، وأما ما يحتاج إلى قتال فإنما يقوم به من في استطاعته القتال كالإمام وخلفائه لأنهم أعلم بالسياسة ومعهم عدتهم .





بعض آراء الفرق الأخرى في مقابلة الأصول الخمسة عند المعتزلة




أولاً : التوحيد :


1. التنزيه :

كان علماء المسلمين في ذلك العصر يؤمنون بالتنزيه إيماناً إجمالياً يمسكون عن الكلام في الآيات الأخرى كآية الاستواء على العرش والوجه واليدين ويقولون أننا نؤمن بوجود الله ووحدانيته ولا نذهب وراء ذلك لأنه لا يجب علينا أن نعرفه وإنما يجب علينا أن نؤمن به كما ورد وإذا دخلنا في تفصيل ذلك وتأويله كان تأويلنا هو قولنا لا قول الله وهو عرضة للخطأ .

2. في مسألة الصفات الإلهية :

- اتفق معهم الجبرية في نفي الصفات عن الله .

- وعلماء المسلمين اعتبروا أن الله عالم بذاته قادر بذاته تعطيل للصفات الإلهية .

3. مسألة الرؤية:

- اتفق معهم الجبرية في عدم إمكانية رؤية الله يوم القيامة .

- ورأى علماء المسلمين أن إمكانية رؤية الله ممكنة لأن موسى سألها ولو كانت مستحيلة لم يسألها .

4. خلق القرآن :

- اتفق معهم كل من الجبرية والشيعة في مسألة خلق القرآن .

- ورأي علماء المسلمين أن القرآن كلام الله ، لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق ، فإثارة هذه المسألة بدعة لم يقلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا صحابته ، فلا نتابعكم بالسير فيها ، ولا نتابعكم في الجدل والخصومة ، ونقف عند قولنا القرآن كلام الله ، وهذا فقط هو ما قاله الله في قرآنه الكريم .

ثانياً : العدل :

1. مسألة العبد خالق أفعاله :

- رأى علماء المسلمين أن العبد بهذا المبدأ ، سيكون شريك لله تعالى في إيجاد ما في هذا العالم ، والشيء الواحد تتعاون عليه قدرتان . وهناك آيات كثيرة تدل على شمول إرادة الله وقدرته .

- ورأى الجبرية : أن العبد لا يوصف بالاستطاعة ، فهو مجبورٌ في أفعاله ، وأن الفعل كله بأمر الله . فالإنسان لا يستطيع إحداث شيء ولا كسب شيء ، بل هو كالريشة في مهب الريح ، كل أفعاله مقدرة عليه ، وهو ليس مخير في شيء ، وأن الله تعالى هو فاعل أفعال العباد .

- ورأى القدرية : أن كل فعل للإنسان هو إرادته المستقلة عن إرادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ (لا قدر والأمر أنف) .

- ورأى الشيعة: ما قاله الإمام علي لرجلٍ من أهل العراق دخل على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله و قدره؟ فقال له أمير المؤمنين(ع): أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن وادٍ إلا بقضاء من الله و قدره، فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ؟ فقال: مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاءً حتماً و قدراً لازماً؟ لو كان كذلك لبطل الثواب و العقاب و الأمر و النهي و الزجر، و لسقط معنى الوعد و الوعيد، و لم يكن على المسي‏ء لائمة و لا للمحسن محمدة، و لكان المحسن أولى باللائمة من المذنب، و المذنب أولى بالإحسان من المحسن، تلك مقالة عَبَدة الأوثان و خصماء الرحمان، و قدرية هذه الأمة و مجوسها، يا شيخ إن الله عز و جل كلف تخييراً و نهى تحذيراً، و أعطى على القليل كثيراً، و لم يُعص مَغلوباً و لم يُطع مُكرِهاً، و لم يخلق السموات و الأرض و ما بينهما باطلاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار.

2. في مسألة الحسن والقبيح ومعرفة العبد لها قبل ورود الشرع :

يرى علماء المسلمين أن الحسن والقبيح تابعان لأمر الشرع ونهيه فالشرع في أمره ونهيه مُثبِت لا مُخبِر ، أي أن الشرع هو الذي يحدد الحسن والقبيح وليس العقل .



ثالثاً : الوعد والوعيد :

يرى مخالفيهم من علماء المسلمين أن ثواب الله فضل وعد به ، وخلف الوعد نقص تعالى الله عنه ، والعقاب عدل وله العفو عنه ، وليس في خلف الوعيد نقص .

رابعاً: المنزلة بين المنزلتين:

- الخوارج قالوا: أن فاعل الكبيرة كافر مخلد في النار.

- والحسن البصري وطائفة من التابعين قالوا: أنه منافق ، لأن الأعمال دليل على القلوب ، وليس اللسان دليل على الإيمان.

- جمهور المسلمين قالوا: هو مؤمن عاصي ، أمره بيد الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه . ومرتكبوا الكبيرة من المؤمنين لا يخلدون في النار ، لقوله تعالى " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ "[الزلزلة 7،8] ، ومرتكب الكبيرة قد عمل خيراً وهو إيمانه وشراً هو كبيرته فيعاقب على كبيرته ثم يثاب على إيمانه.

- والمرجئة قالوا: مرتكب الكبيرة مؤمن ، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فليس هو كافر ولا مشرك ، ولسنا نستطيع أن نفتش عن حقيقة ما في قلبه ، حتى نعرف إن كان صادقاً أو منافقاً ، فنحن نرجئ أمره إلى الله سبحانه وتعالى ، فهو الذي يعرف سرائر القلوب ، وهو الذي يحاسبهم عليها .

" وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [التوبة 106] .

خامساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ورأى الخوارج :استعمال السيف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمتى اعتقدوا الحق في شيء نفذوه بالسيف ، بصرف النظر عن النتائج ، ولهذا كان تاريخهم سلسلة حروب وخروج على الخليفة الظالم ، وكأنهم يرون ذلك فرض عين لا فرض كفاية .

- واتفقت الجماعة من العلماء على أن : تغيير المنكر قد يكون باليد ، فإذا عجز الإنسان ، لجأ إلى تغييره باللسان ، فإذا لم يستطع لم يبق أمامه إلا أن يغيره بقلبه وهذا أضعف الإيمان ، وهو من فروض الكفاية ، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين .





أثر المعتزلة في النواحي الأدبية والثقافية والعلمية :

كان لهم تأثير في مختلف النواحي الأدبية والثقافية والعلمية ، فكان منهم أعلام في اللغة والبلاغة كبشر بن المعتمر ، كما أن لهم الفضل في المزج بين الثقافة العربية والثقافات الأجنبية ، بالإضافة إلى دراساتهم الفلسفية ، ونبوغهم في علم الكلام ، كما أن كان منهم علماء في الطب والكيمياء كأبو بكر الرازي ، وكذلك في الرياضيات والجغرافيا كالخوارزمي ، وكان لهم العديد من المؤلفات في مختلف المجالات ، وكل هذا موضح في عرض "تاريخ المعتزلة وأشهر رجالهم ".




الآراء السياسية للمعتزلة




· ويرى أكثر المعتزلة كأكثر الفرق الإسلامية أنه لابد للمسلمين من إمام ينفذ أحكامهم ويتولى جميع أمورهم في شتى المجالات .

· واختلف المعتزلة فيما بينهم في اشتراط أن يكون الإمام من قريش .

· وللمعتزلة آراء سياسية في الإمامة وفي التاريخ الإسلامي وإن لم يتفقوا عليها اتفاقهم على الأصول الخمسة – فعلى قولهم جميعاً مسحة من حرية الرأي وتشريح المسائل ووضعها موضع النقد ، وفي كلامهم ما يدل دلالة واضحة على أنهم وضعوا الصحابة والتابعين موضع الناس يخطئون ويصيبون ، ويصدر منهم ما يمدح وما يذم ، ولم يتحرجوا من ذلك كما تحرج غيرهم . بل قالوا (إنا رأينا الصحابة أنفسهم ينقد بعضهم بعضاً ، بل ويلعن بعضهم بعضاً ، ولو كانت الصحابة عند نفسها بالمنزلة التي لا يصح فيها نقد ولا لعن لعلمت ذلك من حال نفسها ، والصحابة قوم من الناس ، لهم ما للناس وعليهم ما عليهم ، من أساء منهم زممناه ، ومن أحسن منهم حمدناه ، وليس لهم على غيرهم كبيرة فضل إلا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير، بل كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم ، لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات فمعاصينا أخف لأننا أعذر) .

· وتعرض المعتزلة في مسألة أبي بكر وعمر وعلي، هل خلافتهم صحيحة؟ وأيهم أفضل؟ وقد حكي أبي الحديد رأي المعتزلة في ذلك فقال : (اتفق شيوخنا كافة المتقدمون منهم والمتأخرون ، والبصريون والبغداديون على أن بيعة أبي بكر الصديق بيعة صحيحة شرعية ،وأنها لم تكن عن نص وإنما كانت بالاختيار واختلفوا في التفضيل . فقال قدماء البصريين كعمرو بن عبيد والنظام والجاحظ وثمامة بن الأشرس ، وهشام الفوطي وغيرهم : أن أبا بكر أفضل من علي ، وهؤلاء يجعلون ترتيب الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة وقال البغداديون قاطبة ، قدماؤهم ومتأخروهم كبشر بن المعتمر وغيرهم أن علي أفضل من أبي بكر. وذهب كثير من الشيوخ إلى التوقف فيهما ، وهو قول واصل بن عطاء وأبي الهذيل العلاف وهما – وإن ذهبا إلى التوقف بين علي وبين أبي بكر وعمر – قاطعان على تفضيله على عثمان ).

· والذي دعا إلى اتفاق المعتزلة على صحة خلافة أبي بكر ، حتى من قال منهم بأفضلية علي على أبي بكر أنهم رأوا علياً بايع أبا بكر غير مكره فلابد أن تكون بيعته صحيحة ، ولا يصح أن يكونوا علويين أكثر من علي .

· فإذا وصلنا إلى عثمان وقتلته وجدنا كثير من المعتزلة يقفون في ذلك ، فواصل بن عطاء يقف في الحكم على عثمان لتعارض الأدلة عنده. قال الخياط المعتزلي: أن واصل بن عطاء وقف في عثمان وفي خاذليه وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم ، (وهذه هي سبيل أهل الورع من العلماء أن يقفوا عند الشبهات ، وذاك أنه قد صحت عنده لعثمان أحداث غير الست الأواخر، فأشكل عليه أمره فأرجأه إلي عالمه) ومثل قول أبي الهذيل العلاف قال: لا ندري أقتل عثمان ظالما أو مظلوماً.

· وللمعتزلة كلام واسع في تحليل أعمال عثمان والاجتهاد في تمحيصها ، وبعضهم قد دافع عنه في إسهاب وبعضهم حمله تبعات ما فعل في إسهاب ، وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الحروب التي كانت مع علي وخصومه ، رأينا أن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وقفا في الحرب بين علي وطلحة والزبير وعائشة يوم الجمل وهم عندهما أبرار أتقياء مؤمنين ، قد تقدمت لهم سوابق حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجره وجهاد وأعمال جميلة ، ثم وجدوهم قد تحاربوا وتجالدوا بالسيف فقال : قد علمنا أنهم ليسوا بمحقين جميعاً ، جائز أن تكون إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة ولم يتبين لنا مَن المحق مِن المبطل فوكلنا أمر القوم إلى عالمه ، وتولينا القوم على أصل ما كانوا عليه قبل القتال ، فإذا اجتمعت الطائفتان قلنا قد علمنا أن إحداكم عاصية لا ندري أيكما هي ، وذهب جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب والإسكافي (وكلهم من المعتزلة) إلى أن الحق في هذه الحرب مع علي وأن طلحة والزبير وعائشة قد تابوا من خروجهم على علي فهم لذلك يتولونهم جميعاً أما الحرب بين علي ومعاوية فهؤلاء جميعاً ( واصل وعمرو بن عبيد وجعفر بن مبشر) يؤيدون وجهة نظر علي ويتبرأون من معاوية وعمرو بن العاص ومن كان في شقهما بل أن البلخي - هو أحد شيوخ المعتزلة- رمى عمرو بن العاص ومعاوية بالإلحاد . وإذا كان معاوية غير محق فخلافته غير صحيحة وكذلك من ولي بعده ولكنهم يقولون : أن الصحابة والتابعين الذين كانوا في زمن معاوية ويزيد وبني أمية معذورون في جلوسهم عنه لعجزهم عن إزالتهم ولقهر بني أمية لهم بطعام أهل الشام و"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".

· وبناءاً على ذلك تكون نظرتهم إلى بني أمية أنهم خلفاء لا عن حق ، وقد طبقوا مذهبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصحابة والتابعين الذين كانوا في عهد الأمويين ، فمذهبهم أنه لا يصح الخروج إلا عند غلبة الظن ونجاح الثورة . أما الخوارج الذين يجعلون الثورة واجباًَ فردياً مهما تكن النتيجة ، فكان تاريخها ثورة مستمرة .

· وكذلك لم يرضوا عن أبي موسي الأشعري وموقفة في التحكيم ، فقد ذكر ابن أبي الحديد ( أن أبي موسي الأشعري عند المعتزلة من أرباب الكبائر حكمه حكم أمثاله ممن واقع كبيرة ومات عليها ).

· ولما أسرف الوليد بن عبد الملك في الشراب واللهو والطرب وسمع الغناء وكان متهتكاً ماجنا خليعاً ، كان المعتزلة من أشد الناقمين عليه والعاملين على قتله وإحلال يزيد بن الوليد محله في الخلافة ، ونصر المعتزلة يزيد بن الوليد لأنه كان ديناً تقياً وكان يعتقد بمذهب المعتزلة .

· فهم في نصرة يزيد جروا على مبدأهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخرجوا مع إمام اعتقدوا فيه العدل ، ولم يخرجوا إلا بعد أن غلب على ظنهم الفوز ، وقد فازوا فعلاً .

· وفي العصر العباسي كان عمرو بن عبيد لا يميل إلى العباسيين وينتقد أبا جعفر المنصور ويعدد مظالمه فيقول له أبو جعفر : فماذا أصنع ؟ قد قلت لك خاتمي في يدك فتعالى أنت وأصحابك فأكتفي . فيقول له عمرو: (أُدعنا بعدلك تسخُ أنفسنا بعونك ، ببابك ألف مظلمة ، أردد منها شيء نعلم أنك صادق).

· وروى البغدادي أن المنصور قال لعمرو بن عبيد : بلغني أن محمد بن عبد الله بن الحسن كتب إليك كتاباً . قال عمرو: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه. قال: فيما أجبته ؟ قال: أوليس عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا ، إني لا أراه. قال المنصور: أجل ، ولكن تحلف لي ليطمأن قلبي ، قال عمرو: لإن كذبتك تقيا لأحلفن لك تقيا . قال المنصور :والله والله أنت الصادق البار .

· حسن مركز المعتزلة وناصروا الدولة العباسية يوم اعتنق الخلفاء مبادئهم أمثال المأمون فقد كان معتزلياً في مبادئه وتصرفاته وكذلك أيام المعتصم والواثق فلما جاء المتوكل انصرف عن المعتزلة فانصرفوا عنه وكاد لهم وكادوا له .





طبقات المعتزلة




- طبقات المعتزلة إثنى عشر طبقة .

الطبقة الأولى : الخلفاء الراشدين و عبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود و عبد الله بن عمرو و أبي الدرداء و أبي ذر الغفاري و عبادة بن الصامت .

الطبقة الثانية : الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب ، ومحمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب ، ومن التابعين: سعيد بن المسيب ، وطاووس اليمني ، وأبو الأسود الدؤلي.

الطبقة الثالثة : الحسن بن الحسن ، وابنه عبد الله بن الحسن ، وأولاده النفس الزكية وغيرهم ، وأبو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وزيد بن علي ، ومحمد بن سيرين بن محمد وفضله في فنون العلم مشهور ، والحسن بن أبي الحسن البصري .

الطبقة الرابعة : غيلان الدمشقي ، وواصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد ، ومكحول بن عبد الله ، وقتادة بن دعامة السدوسي، وصالح الدمشقي ، وبشير الرحال .

الطبقة الخامسة : عثمان بن خالد الطويل وكنيته "أبو عمرو" وهو أستاذ أبا الهذيل ، وحفص بن سالم وهو الذي بعثه واصل إلى خراسان ، القاسم بن السعدي الذي بعثه واصل إلى اليمن ، وعمرو بن حوشب ، وقيس بن عاصم ، وابنه الربيع ، والحسن بن ذكوان ، وخالد بن صفوان ، وحفص بن القوام ، وصالح بن عمرو ، والحسن بن حفص ، وبكر بن عبد الأعلى ، وابن السماك ، وعبد الوارث بن سعيد ، وأبو غسان ، وبشر بن خالد ، وعثمان بن الحكم وسفيان بن يحيى ، وطلحة بن زيد ، وإبراهيم بن يحيى المدني .

الطبقة السادسة: أبو الهذيل محمد بن الهذيل العبدي ويلقب "بالعلاف" ، أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام ، أبو سهل بشر المعتمر الهلالي ، ومعمر بن عبادة السلمي ، وأبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم ، وأبو شمر الحنفي ، وأبو مسعود عبد الرحمن العسكري ، وأبو عامر الأنصاري ، وموسى الأسواري ـ فسر القرآن ثلاثين سنة ولم يتم تفسيره ، هشام الفوطي .

الطبقة السابعة : أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد ، عمرو بن بحر الجاحظ ، عيسى بن صبيح وكنيته أبو موسى المردار ، مويس بن عمران ، محمد بن شبيب ، محمد بن إسماعيل العسكري ، أبو يعقوب يوسف بن إسحاق الشحام ، علي الأسوري ، وأبو الحسين محمد بن مسلم الصالحي ، والجعفران : جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر الثقفي ، وأبو عمران موسى الرقاشي ، وعباد بن سليمان ، وأبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي ، وعبد الله الدباغ ، ويحيى بن بشر الأرجاني ، وأبو عفان النظامي من أصحاب النظام ، عيسى بن الهيثم الصوفي ، وأبو سعيد أحمد بن سعيد الأسدي .

الطبقة الثامنة : أبوعلي محمد بن عبد الوهاب الجبائي ، وأبو مجلد واسمه أحمد بن الحسين البغدادي ، وأبو الحسين الخياط بن عبد الرحيم بن محمد بن عثمان وهو كان أستاذ أبو القاسم البلخي ، أبو القاسم بن عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي ، أبو بكر محمد بن إبراهيم الزبيري ، أبو الحسن أحمد بن عمر بن عبد الرحمن البرذعي وكان من تلاميذه هشام الفوطي ، وأبو مضر بن أبي الوليد بن احمد بن أبي دؤاد ، وأبو مسلم محمد بن بحر الأصبهاني ، وابن الروندي كان من أهل هذه الطبقة ثم جرى منه ما جرى وانسلخ عن الدين وأظهر الإلحاد والزندقة وطردته المعتزلة ، والناشي عبد الله بن محمد ، وأبو الحسن أحمد بن علي الشطوي ، وأبو زفر محمد بن علي المكي وهو إمام نيسابور ، ومحمد بن سعيد زنجة وهو أيضاً إمام نيسابور .

الطبقة التاسعة : أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي ، ومحمد بن عمر الصيمري ، وأبو عمرو سعيد بن محمد البهلي كان أوحد زمانه في علم الكلام والأخبار والمواعظ والشعر وأيام الناس ، وأبو الحسن بن الخباب ، وأبو محمد عبد الله بن العباس الرامهرمزي ، وأبو بكر أحمد بن علي الأخشيذ ، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علي المنجم ، أبو الحسن بن فرزويه ، وأبو بكر بن حرب التستري ، وأبو سعيد الأشروسني ، وأبو الفضل الكشي ، وأبو الفضل الخجندي والثلاثة من خراسان وأخذوا عن أبو علي ، وأبو حفص القميسيني وكان من المتقدمين في علم الكلام ، وأبو علي البلخي وله رياسة ضخمة ومحل كبير وهو من المصنفين ، وأبو القاسم العامري ، وأبو بكر الفارسي ، وأبو بكر الرازي وكان من العلماء ، وابن حمدان وهو أبو محمد بن حمدان ، وأبو عثمان العسال ، وأبو مسلم النقاش من أصحاب الزبيري .

الطبقة العاشرة : أبو علي بن خلاد صاحب كتاب الأصول والشرع ، وأبو عبد الله الحسين بن علي البصري ، أبو إسحاق بن عياش ، والسيرفيان وهما أبو القاسم السيرافي ، وأبو عمران السيرافي ، وأبو بكر بن الأخشيد ، وأبو الحسن الأزرق ، وأبو الحسين الطوائفي البغدادي ، وأحمد بن أبي هاشم ، وأخت أبي هاشم بنت لأبي علي ـ بلغت في العلم مبلغاً وسألت أباها عن مسائل فأجاب عنها وكانت داعية النساء وانتفع بها في تلك الديار ، وأبو الحسن بن النجيح من أهل بغداد ، وأبو بكر البخاري ، وأبو أحمد العبدكي ، أبو حفص المصري ، أبو عبد الله الحبشي ، أبو الحسن علي بن عيسى صاحب التفسير والعلم الكثير ، وكان يقال له الجامع لأنه جمع بين علوم الكلام والفقه والقرآن والنحو واللغة ، والخالدي ، ومحمد بن زيد الواسطي ، وأبو الحسين بن علي من أهل نيسابور ، وأبو القاسم بن سهلوية .

الطبقة الحادية عشر : أبو الحسن قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني ، والإمام أبو عبد الله الداعي محمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أخذ الكلام عن أبي عبد الله البصري والفقه عن الكرخي وبلغ فيهما مبلغاً لا وراءه وقد كان قبل ذلك أخذ في فكر الزيدية عن أبي العباس الحسني ، وأبو العباس الحسني ، والإمام المؤيد بالله وأخوه الإمام أبو طالب ، ويحيى بن محمد العلوي ، وأبو أحمد بن أبي علان ، وأبو إسحاق النصيبيني ، وأبو يعقوب البصري البستاني ، والأحدب أبو الحسن ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حنيف ، أبو الحسن بن حاني ، الصاحب الكافي وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري .

الطبقة الثانية عشر: أبو رشيد سعيد بن محمد النيسابوري ، أبو محمد عبد الله بن سعيد اللباد ، الشريف المرتضى أبو القاسم على بن الحسين الموسوي ، الإمام أبو الحسن الحقني ـ جمع بين الكلام والفقه والورع شيئاً عظيماً وبويع له ، الناصر والداعي ، وأبو القاسم البستي إسماعيل بن أحمد ، أبو الفضل العباس بن شروين عالم متكلم أديب فصيح زاهد قيل كان يحفظ مائة ألف بيت ، أبو القاسم الميزوكي أحمد بن علي جمع بين القرآن والأدب والزهد ، أبو محمد الخوارزمي وظهر فضله في العلم ، أبو الفتح الأصفهاني ، ، أبو الحسن الرفاء ، القاضي أبو بشر الجرجاني ، زيد بن صالح ، أبو حامد أحمد بن محمد بن إسحاق النجار ، أبو بكر الرازي ، وأبو حاتم الرازي ، أبو بكر الينوري ، أبو التح الصفار ، أبو الفتح الدماوندي ، أبو الحسن الكرماني ، أبو الفضل الجلودي ، أبو الحسين البصري صاحب كتاب المعتمد في أصول الفقه ، محمود بن الملاحمي ، البخاري أبو طاهر بن عبد الحميد بن محمد ، السمان أبو سعيد ، أبو محمد الحسن بن أحمد بن متّوية وله كتب مشهورة كالمحيط في أصول الدين والتذكرة في لطيف الكلام ، أبو عمر القاشاني ، علي الطالقاني ، أبو محمد الزعفراني .



ومن أشهر الخلفاء المعتزلة :


من الأمويين : أبو خالد بن الوليد بن عبد الملك وشهرته الناقص لأنه نقص من عطايا أسرف فيها بنو أمية وبويع له سنة 126هـ ، وعمر بن عبد العزيز بن مروان وبويع له سنة 97هـ .

ومن العباسيين : السفاح وهو أبو العباس عبد الله بن محمد وبويع له 132هـ ، وأخوه المنصور واسمه عبد الله وبويع له سنة 136هـ ، أبو عبد الله محمد المنصور الملقب بالمهدي وبويع له سنة 158هـ ، والمأمون وكنيته أبو العباس واسمه عبد الله بن الرشيد وبويع له سنة 189هـ ، والمعتصم وهو أبو إسحاق محمد بن الرشيد بويع له سنة 218هـ ، والواثق وهو أبو جعفر هارون بن محمد بن هارون وبويع له سنة 227هـ وتوفي سنة 232هـ ، والمهتدي وهو أبا عبد الله بن محمد بن الواثق بويع له سنة 255هـ ، والمعتضد وهو أبو العباس أحمد بن موفق بن المتوكل وكان ولي عهد عمه المعتمد .

ويقال : لم يكن في بني العباس مثل المأمون في المتقدمين ولا مثل المعتضد في المتأخرين .








تاريخ المعتزلة وأشهر رجالهم




- كان أهم عصر في تاريخ المعتزلة من سنة 100 إلى 255 هـ ففي هذا العصر تكونوا ونموا وبلغت دولتهم أوجها وكانوا يكرهون الأمويين ويكرههم الأمويين وأن هشام بن عبد الملك كان يكره هذه النزعة منهم وأنهم لم يرضوا عن أحد من بني أمية كما رضوا عن يزيد بن الوليد لاعتناقه مذهبهم .

- وأنهم في أول العهد العباسي كان زعيمهم عمرو بن عبيد مهادناً للمنصور لا يخرج عليه ، ولكن لا يعاونه وفي بدأ العصر العباسي نشطت دعوتهم وبعثوا الدعاة إلى أقصى الأمصار ينشرون مبادئهم وقد وصف ذلك شاعر المعتزلة صفوان الأنصاري أصدق وصف ، إذ يقول في قصيدته التي تعد وثيقة من أهم الوثائق في أعمال المعتزلة :



له خلف شعب الصين في كل ثـــــــــــــغرة

***

الى سوسها الاقصى وخلف البرابــــر


رجال دعاة لا يـــــــــــــــفل عزيـــــــــمهم

***

تهكم جبار ولا كيد مــــــــــــــــاكــــر


إذا قال مروا في الشتاء تطاوعــــــــــــــــوا

***

وإن كان صيفا لم يخف شهر ناجـــــر


بهجرة أوطــان وبـــــذل وكلفــــــــــــــــــة

***

وشدة أخطــــــار وكد المسافـــــــــــر


فأنجح مسعــــــــــــــاهم وأثقب زندهــــــــم

***

وأورى بفلج للمخاصم قاهــــــــــــــر


وأوتاد أرض الله في كــــــــــــــــــــــل بلدة

***

وموضع فتياها وعلم التشاجــــــــــــر


وما كان سحبان يشق غبارهــــــــــــــــــــم

***

ولا الشدق من حيي هلال بن عامــــر


تلقب بالغزال واحد عصــــــــــــــــــــــــره

***

فمن لليتامى والقبيل المكاثـــــــــــــــر


ومن لحرري وآخر رافــــــــــــــــــــــــض

***

وآخر مرجي وآخر حائـــــــــــــــــــر


وأمر بمعروف وانكار منكـــــــــــــــــــــــر

***

وتحصين دين الله من كل كافــــــــــــر


يصيبون فصل القول في كل منطـــــــــــــق

***

كما طبقت في العظم مدية جـــــــــازر


تراهم كأن الطير فوق رؤوسهــــــــــــــــــم

***

على عمة معروفة في المعاشــــــــــــر


وسيماهم معروفة في وجوههــــــــــــــــــــم

***

وفي المشي حجاجا وفوق الاباعـــــــر


وفي ركعة تأتي على الليل كلــــــــــــــــــــه

***

وظاهر قول في مثال الضمائــــــــــــر


وفي قص هداب وإحفاء شـــــــــــــــــــارب

***

وكور على شيب يضيء لناظـــــــــــر


فتلك علامات تحيط بوصفــــــــــــــــــــــهم

***

وليس جهول القوم في جرم خابــــــــر


- ففي هذه القصيدة وصف المعتزلة بأن لهم دعاة بلغوا أقصى الصين وخلفها وان لهم من إيمانهم في دعوتهم ما يستسهلون معه الصعاب ، فلا يثنيهم لبرد القارص ، ولا الحر القائظ ولا تعرفهم مشاق السفر ولا احتمال الخطر.

- وهم أهل الجدال والناظرة يثيرون المسائل ويبرهنون عليها ويحركون العقول للبحث والتفكير وتقليب الآراء على وجوهها إلى طلاقة في اللسان .

- وهم لهم سيماً خلقية ، فهم في سمة حسن ، ورزانة وهدوء كأن على رؤوسهم الطير ، وهم الحجاج لا يعبأون بمشاق الأسفار وهم المتعبدون تطول صلاتهم ، وتطول فيها تلاوتهم ، إلى صدق في القول ، وصراحة في الكلام ولهم شعار في ملابسهم وشكلهم فهم يعتمون عمامة خاصة يعرفون بها ، ويقصون أطراف الثوب (وهو كناية عن تقصيرها ) ، ويعفون شاربهم (وهو المبالغة في قصه والأخذ منه) .

- وقد اعتنق هذا المذهب كثير من الناس على اختلاف طبقاتهم ومنهم الخلفاء أمثال المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، وقد زاد عددهم في أيامهم لأن الدولة كانت دولتهم وقد بلغوا أيامها أوجهم .

- للمعتزلة الفضل الأول في وضع الأسس الأولى لعلم الكلام وعلم البلاغة وعلم الجدل والمناظرة .

- تنقسم المعتزلة إلى فرعين كبيرين : فرع البصرة وفرع بغداد .

- وفرع البصرة أسبقه في الوجود ، وله الفضل الأكبر في تأسيس المذهب وأهم رجاله :

1. واصل بن عطاء . 2. عمرو بن عبيد .

3. أبو الهذيل العلاف . 4. النظام.

5. الجاحظ.

- وفرع بغداد :

1. بشر بن المعتمر . 2. أبو موسى المردار.

3. الخوارزمي . 4. جعفر بن مبشر .

5. جعفر بن حرب . 6. ثمامة بن الأشرس.

7. أحمد بن أبي دؤاد . 8. أبو بكر الرازي .



فرع البصرة : وأهم رجال هذا الفرع :

1. واصل بن عطاء(80- 131 هـ) :

وكان له الفضل الأكبر في تأسيس الاعتزال على أسس علمية ، ووضع الخطط في نشره ،بإرسال الدعاة في الآفاق يبشرون به ويلفون الناس حوله وكان أقدر على الجدال والمناظرة سريع البديهة في استحضار آيات القرآن التي تؤيد مذهبه وفي تأويل ما لا يتفق ظاهرها مع مبادئه وكان واسع المعرفة للمذاهب المختلفة وكان أكثر رجال المعتزلة تلاميذ لواصل أو تلاميذ لتلاميذه وقد ألف كتاباً فيه ألف مسألة للرد على المانوية ويقال أنه وصل إلى أبي هذيل العلاف قنطاران من كتبه ربما كان منبع علمه .



2. عمرو بن عبيد (80- 144هـ):

أصبح شيخ المعتزلة بعد واصل ولكنه لم يأت بجديد وكل ما فعله أنه وافق واصل على أقواله ولم يخالفه في شيء وكان إذا جادله واصل هزمه واصل فهو من ناحيته العقلية أقل منه مع أنه من ذلك في منزلة رفيعة ، ولكنه من ناحية قلبه وإيمانه لا يقل عن واصل إن لم يزد عليه زهداً وورعاً. وقد وصفه النظام فقال : "كان عمرو بن عبيد عالماً عاقلاً عابداً ، وكان ذا بيان وحلم وصاحب قرآن ".

3. أبو الهذيل العلاف (135- 226 هـ):

من أقوى الشخصيات في مدرسة البصرة ، كان رئيس الاعتزال في عصره ، وإليه يرجع الفضل في تطعيم مبادئ الاعتزال بمبادئ الفلسفة. وقد عمر نحو مائة سنة كانت تقريباً هي المائة الأولى للدولة العباسية ، وكان أستاذ للمأمون ، وقد كان واسع الاطلاع ، كثير الحفظ للشعر العربي ، جيد المناظرة ، فصيح القول. كما أنه اتصل بالفلسفة اليونانية وقرأ فيها .

ولعل اتصاله هذا بالفلسفة اليونانية هو الذي مكنه من تنظيم مباديء الاعتزال وفتح لها جهات نظر لم تكن تعرف من قبل وصوره الجاحظ في كتاب البخلاء صورة ظريفة ، فعده أبخل المعتزلة . ويرميه " بشر بن المعتمر" شيخ معتزلة بغداد بالنفاق وحب الظهور – ويقول فيه هذه الكلمة : " لأن يكون أبا الهذيل لا يعلم وهو عند الناس يعلم أحب إليه من أن يعلم وهو عند الناس لا يعلم ولأن يكون من السفلة وهو عند الناس من العلية أحب إليه من أن يكون من العلية وهو عند الناس من السفلة ولأن يكون نبيل المظهر سخيف المخبر أحب إليه من أن يكون نبيل المخبر سخيف المنظر وهو بالنفاق أشد عجباً منه بالإخلاص ولباطل مقبول أحب من حق مدفوع " .

وعلى الجملة فيظهر من مجموع ما نقل عنه أنه كان من ناحيته العلمية كبير العقل واسع المعرفة ، ومن ناحيته اللسانية قوي الجدل فصيح المنطق ومن ناحيته الخلقية فيه مغمزة : فهو بخيل يدعي الكرم يهمه المظهر أكثر مما يهمه المخبر ، وهو إلى الغفلة أقرب منه إلى المكر والدهاء .

آراؤه وتعاليمه:

كان لأبي الهذيل آراء يتميز بها عن سائر المعتزلة وكان أتباعه في الآراء يسمون بالهذيلية ، ومنها :

1. إنكاره لصفات الله في الحقيقة ، فهو يقول : أن الله عالم بعلم وعلمه ذاته وقادر بقدرة هي ذاته ، وهكذا يريد أن ليس شيء في غير الذات وصفة العلم والقدرة ونحوهما ليست إلا مظاهر لذاته ، فمظاهر الخلق في نظرنا تدل على قدرته ، فنقول إذ ذاك أنه قادر ، وتدل على العلم ، فنقول أنه عالم وفي الحقيقة لا شيء غير ذاته .

2. كان يرى أن العالم كلاً وجميعاً ، ونهاية ، وغاية ، لأنه محدث ، والمحدث مخالف للقديم ، فإذا كان القديم ليست له غاية ولا نهاية ، وجب أن يكون للمحدث غاية ونهاية ، ولأن المحدثات ذات أبعاض ، وما كان كذلك فواجب أن يكون له كل ونهاية فلما اعترض عليه – في قول هذا – بنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وأنهما لا نهاية لهما لم يرى هذا الرأي ، وقال :"إني لا أفهم حركات لا تنتهي ، ولذلك يجب أن نقول أن حركات أهل الجنة وأهل النار تنقطع وأنهم يصيرون إلى سكون دائم خموداً وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار ".

3. ومن المسائل التي اشتهر بها أبي الهذيل رأيه في إرادة الله .

4. كان يرى أن الإنسان مكلفاً بالأشياء التي يستطيع العقل التمييز فيها بين الخير والشر ولو لم تصل إليه أوامر الشرع وإن قصر في ذلك استوجب العقوبة فيجب عليه الصدق والعدل والإعراض عن الكذب والجور ولو لم يصله شرع في ذلك ، لأن العقل يستطيع أن يدرك حسنها وقبحها لما فيها من صفات تجعلها حسنة أو قبيحة .

4. النظام (231- 195هـ ) :

هو إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري ، كان النظام آية في النبوغ : حدة ذهن ، وصفاء قريحة ، واستقلال في التفكير، وسعة إطلاع ، وغوص على المعاني الدقيقة وصياغة لها في أحسن لفظ وأجمل بيان وكان له ناحيتان بارزتان ناحية أدبية وناحية كلامية أو لاهوتية من كلامه "العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطاءه لك البعض على خطر" ، وقال عندما سمع الصواعق ودوي الرياح "اللهم إن كان عذاباً فاصرفه ، وإن كان صلاحاً فزد فيه ، وهب لنا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء ، اللهم إن كانت منحة فمن علينا بالعصمة، وإن كان عقاباً فمن علينا بالمغفرة " ، ومن أقواله " ثلاثة أشياء تخلق العقل وتفسد الذهن طول النظر في المرآة والاستغراق في الضحك وطول النظر في البحر" ، ويقول "لا أقول مت قبلك لأني إذا مت قبله مات هو بعدي ولكني مت بدلك" .

كان لا يؤمن بالإجماع وكان قليل الإيمان بالقياس وقليل الإيمان بصحة رواية الحديث ويكاد لا يؤمن بأصل إلا القرآن والعقل ، وكان شخصية غريبة حقاً ، يشعر هو بقوة شخصيته وقوة عقليته فلا يريد أن يقف أمامه شيء فهو يفسر القرآن حسب ما يؤدي إليه عقله ويخضع ما يرويه المحدثون لحكم عقله ويطلق عقله في نقد ما روي عن أعمال الصحابة وما روي من آرائهم ، ولا يرضى عن الفقهاء في كثير من أقوالهم ، حتى لا يرضى عن المعتزلة في مجموعهم ، ويهجم على أكبر الفلاسفة .

وكان أقدر من أستاذه العلاف حتى لقد حكوا أن العلاف يذوب أمامه كما يذوب الثلج من الحرارة ، روي الجاحظ أنه :"قيل لأبي الهذيل : إنك إذا راوغت واعتللت وأنت تكلم النظام فأحسن حالاتك أن يشك الناس فيك وفيه ، قال: خمسون شكاً خير من يقين واحد".

كان من خاصة المعتزلة والكلام لحفظه القرآن والتوراة والزبور والإنجيل والأشعار والأخبار، وتفسيرها إلى معرفة فقهية واسعة الأحكام والفتيا.

وقال الشهرستاني أن النظام " قد طالع كثيراً من كتب الفلسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة " وقال في موضع آخر أن أكثر ميله أبداً إلى تقرير مذاهب الطبيعيين " من الفلاسفة " دون " الإلهيين ".

كان عنده ركنان أساسيان وهما الشك والتجربة. أما الشك فقد كان يعتبره النظام أساساً للبحث. فكان يقول:"الشاك أقرب إليك من الجاحد ، ولم يكن يقين قط حتى صار فيه شك . ولم يتنقل أحد من اعتقاد إلى اعتقاد غيره يكون بينها حال شك"، أما التجربة فقد استخدمها كما يستخدما الطبيعي أو الكيميائي اليوم في معمله.

واسع الحرية شديد الجراءة على المحدثين ، قليل الإيمان بصحة الحديث وهو شديد الإيمان بالقرآن .

وكان الجاحظ يعيب عليه فقال: أنه كان جيد القياس جيد الاستنباط ، ولكنه لا يتحرى الدقة فيما يقيس عليه ، فهو يظن الظن ثم يقيس عليه وينسى أنه في بدأ أمره كان ظناً .

ووصفه الجاحظ بالصدق التام فيما يقول ولكنه مع صدقه كان أضيق الناس صدراً بحمل سر.

والنظام يسير في القول بسلطان العقل إلى آخر حدود السلطان فهو يرى موقف طالب العلم من الكتب ألا يكون حاطب ليل ، بل ينبغي أن يتخير مما فيها ولا يسمح أن يدخل في نفسه إلا الجيد المنتقى ويقول : إلا قليل والكثير للكتب، والقليل وحده للصدر – ويقول أن الكتب لا تحيي الموتى ، لا تحول الأحمق عاقلاً ولا البليد ذكياً ولكن الطبيعة إذا كان فيها أدنى قبول فالكتب تشحذ وتفتتي وترهف وتشفي ، ومن أراد أن يعلم كل شيء فينبغي لأهله أن يداووه ، فإن ذلك إنما تصور له بشيء اعتراه ، فمن كان ذكياً حافظاً فليقصد إلى شيئان أو إلى ثلاثة أشياء ، ولا ينزع عن الدرس والمطارحة – ولا يدع أن يمر على سمعه وعلى بصره وعلى ذهنه ما قدر عليه من سائر الأصناف ، فيكون عالماً بخواص ، ويكون غير غافل من سائر ما يجري فيه الناس ، فهو لهذا يضع منهجاً بديعاً للدرس ، فينقد من يسير في تعلمه على طريقة حشو المعلومات في الذهن حشواً .

ولا يعجبه قول ابن يسير :



أما لو أعي كل ما أسمــــــع



وأحفظ من ذاك ما أجمع


ولم أستفد خيراً ما قد جمعت



لقيل هو العالم المصقــع


فكان يقول:"كلف ابن يسير الكتب ما ليس عليها ، فهي لا تصير البليد عالماً ، فالعلم ليس في جمع الكتب وحفظ ما فيها ، وإنما هو بالتعقل ". كما أن النظام أوضح فكرة في التعليم كان يظن أنها جديدة ، فهو يرى أن العالم يجب أن تكون له ثقافتان ، ثقافة عامة فيأخذ من كل شيء بطرفه ، وثقافة خاصة ، وهي ان يتخصص في بعض الفروع ويتعمق فيها ويتبحر.

وبحث النظام في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ أو الذرة هي قضية دار حولها الجدال طويلاً في الفلسفة اليونانية ، وألف النظام ذلك كتاباً سماه "الجزء" وأقام البرهان على إنكاره فكان رأيه أن "لا جزء إلا وله جزء ، ولا بعض إلا وله بعض ، ولا نصف إلا وله نصف ، وأن الجزء جائز تجزئته أبداً ولا غاية له في باب التجزؤ ".

كما بحث النظام في الطفرة والحركة والسكون ، وفسر الطفرة بأن الجسم الواحد قد يكون في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني (على سبيل الطفرة) ومثل لذلك بالدوامة (النحلة) .

وكان يرى أن الأجسام متحركة دائماً وغاية الأمر أن الحركة حركتان حركة اعتماد ، وحركة ناقلة ، فهي كلها متحركة في الحقيقة ، وساكنة في اللغة وليس في الكون إلا حركة ، مناقضاً في ذلك قول أستاذه العلاف في أن الأجسام قد تسكن حقيقةً وتتحرك حقيقة وأن الحركة والسكون غير الكون. وخالفهما معمر المعتزلي أيضاً فكان يرى أن الأجسام ساكنة دائماً وإنما الحركة في اللغة فقط.



آراؤه الكلامية والدينية :

فقد رقى النظام أصول المعتزلة وزاد فيها ونظمها ، فوسع القول في توحيد الله ، وقال: إن الله لا يوصف بالقدرة على الشر ، لأن القبح إذا كان صفة ذاتية للقبح ففيه تجويز وقوع القبح منه قبح ، وزاد في القول وحرية الإرادة عن الإنسان وسيطرته على أعماله وجزء كبير من شرح أصول المعتزلة من تنظيم النظام .

وقوله بأن إعجاز القرآن إنما سببه ما فيه من أخبار من الغيوب كالأخبار من عالم الغيب وكالإخبار عن أحداث مستقبلية مثل قوله تعالى" الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ، فِي بِضْعِ سِنِينَ .... "[الروم 3:1] ،

" قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً " [الفتح 16] .



5. الجاحظ (159هـ - 255هـ):

كان الجاحظ في حياته لسان المعتزلة المدافع عنها ، المناصر لها ، الموضح لمشاكلها ، الزائد عن حياضها ، ولكن مع الأسف أدى التعصب البغيض إلى أن يحتفظ الناس بكتبه الأدبية لا الدينية ، فكتبه في الاعتزال لم تصل إلينا ولم يسلم من يد المتزمتين ضيقي النظر ، فقد بقي لنا "البيان والتبيين" و "الحيوان" و "البخلاء" ونحوهما من كتب الأدب.

ولكن لم يبق لنا مثلاً كتابه "الاعتزال وفضله على الفضيلة" ولا كتابه في "الاستطاعة وخلق الأفعال" و "خلق القرآن" وكتاب "فضيلة المعتزلة" إلى غير ذلك من كتبه الدينية.

جمع الجاحظ في عقله كل ثقافة عصره وقل أن يكون له في ذلك نظير ، فقد جمع بين العلم والأدب . وأكبر ما يدل على ذلك كتاب "الحيوان" ، ومن الناحية الاعتزالية قال الأشعري: قال الجاحظ "ما بعد الإرادة فهو الإنسان بطبعه ، وليس باختيار له ، وليس يقع منه فعل باختيار سوى إرادة " ، وقال الشهرستاني: قال الجاحظ " إن المعارف كلها ضرورية طباع ، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد ، وليس للعباد كسب سوى الإرادة ، ويحصل أفعاله طباعاً ".

فرع بغداد : وأهم رجاله :

1. بشر بن المعتمر(توفي عام 210 هـ):

هو أبو سهل الهلالي مؤسس فرع الاعتزال في بغداد ومن أهم تلاميذه :

1. أبو موسى المردار. 2. ثمامة بن الأشرس .

3. أحمد بن أبي دؤاد .

وله ناحيتان بارزتان : ناحيته الأدبية وناحيته الاعتزالية ، وهو أول مؤسس لعلم البلاغة العربية .

ومن ناحيته الاعتزالية : فأهم ما بحث مسألة المسئولية أو التبعية ولكن للأسف لم يبق من أقوله إلا القليل ، ومما يدور حول المسئولية بحثه في أعمال الطفل هل هو مسئول عنها ويعاقبه الله عليها ؟ فرأى بشر أنه ليس بمسئول وأن الله تعالى قادر أن يعذبه ولكنه لو فعل ذلك لكان ظالماً إياه ، ولكنه رأى أن هذا تعبير غير مستحسن من جانب الله ، فيحسن أن يعبر عن هذا المعنى تعبيراً ألطف . ومما يتصل بالمسئولية أيضاً قوله : إن تاب عن كبيرة عاد إليها استحق العقوبة على الجريمة الأولى التي تاب عنها فإن توبته فإنما تمحو المسئولية بشرط ألا يعود.

2. أبو موسى المردار :

يرجع إليه الفضل في انتشار الاعتزال في بغداد بشخصيته الزاهدة الورعة الناسكة ، وبقوة لسانه وفصاحته ، وقدرته على الوعظ وقد سمي "راهب المعتزلة".

أول من أشعل النار في بغداد في فتنة خلق القرآن.

وقف من الصحابة والأحداث السياسية موقف كثير من المعتزلة فكان يتبرأ من عمرو بن العاص ومعاوية ومن كان في صفهما. وتوقف في الحكم على عثمان ، فلم يحكم عليه بخير ولا شر ، لأن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ولكنه تبرأ من قاتليه : وشهد لهم بأنه من أهل النار.

ولما حضرته الوفاة أوصى ألا يورث من تركته وأن يفرق ما خلف على المساكين فقيل له : فلما ذلك ؟ فذكر أن ماله لم يكن له ، وأنه كان للفقراء ، فخانهم إياه ، ولم يزل ينتفع به طوال حياته.

وعلى الجملة فإن المردار و تلميذيه الجعفرين قد أظهروا في بغداد نوعاً من الاعتزال ورعاً وزهداً فكانوا أشبه شيء بعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وكانت سيرتهما سبباً في انتشار الاعتزال ببغداد .

3. الخوارزمي : (162هـ - 232هـ) :

هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي عالم رياضيات وفلك وجغرافيا ، ولد في خوارزم سنة 780م ، اتصل بالخليفة العباسي المأمون وعمل في بيت الحكمة في بغداد وكسب ثقة الخليفة إذ ولاه المأمون بيت الحكمة ، أعمال الخوارزمي الكبيرة في مجال الرياضيات كانت نتيجة لأبحاثه الخاصة، إلا انه قد أنجز الكثير في تجميع و تطوير المعلومات التي كانت موجودة مسبقا عند الإغريق و في الهند ، فأعطاها طابعه الخاص من الالتزام بالمنطق. بفضل الخوارزمي، يستخدم العالم الأعداد العربية التي غيرت و بشكل جذري مفهومنا عن الإعداد، كما أنه قد ادخل مفهوم العدد صفر، الذي بدأت فكرته في الهند.

صحح الخوارزمي أبحاث العالم الإغريقي بطليموس في الجغرافية، معتمدا على أبحاثه الخاصة. كما انه قد اشرف على عمل 70 جغرافيا لانجاز أول خريطة للعالم المعروف آنذاك.و من أشهر كتبه في الجغرافيا كتاب (صورة الأرض). عندما أصبحت أبحاثه معروفة في أوروبا بعد ترجمتها إلى اللاتينية، كان لها دور كبير في تقدم العلم في الغرب، عرف كتابه الخاص بالجبر أوروبة بهذا العلم و أصبح الكتاب الذي يدرس في الجامعات الأوروبية عن الرياضيات حتى القرن السادس عشر، كتب الخوارزمي أيضا عن الساعة، الإسطرلاب، و الساعة الشمسية. تعتبر انجازات الخوارزمي في الرياضيات عظيمة، و لعبت دورا كبيرا في تقدم الرياضيات و العلوم التي تعتمد عليها.

4. جعفر بن مبشر(توفي عام 234هـ) :

هو جعفر بن مبشر الثقفي مقداماً في الكلام والفقه وكان يرى ما يشبه قول أهل الظاهر ، فيرى إتباع ظاهر القرآن والسنة والإجماع ويكره الرأي والقياس وألف في ذلك كتاباً في الرد على أصحاب الرأي والقياس . وكان خليفة المردار في الزهد والورع وحسن القصص وقد نقل أهل "عانات" كلهم إلى الاعتزال بحسن تأنيه ورقة قصصه وكان يرفض العطايا .

5. جعفر بن حرب الهمداني (توفي عام 226هـ):

كان عالماً متكلماً زاهداً درس الكلام في البصرة على أبي الهذيل العلاف ، ثم درس في بغداد على أبي موسى المردار ، وقد عني بالرد على شيخه العلاف ووضع فيه كتاباً سماه "توبيخ أبي العلاف".

حكي عنه المرتضى أن أباه خلف له ثروة من ضياع ومال تجرد جعفر عنها ورفض الصلاة خلف الخليفة الواثق.

6. ثمامة بن الأشرس :

هو أبو معن النميري فلون آخر من ألوان الاعتزال ، ليس بالزاهد ولكنه المعتزلي المغامر في شئون الدنيا المتردد على قصور الخلفاء ، والذي يزين مجالسهم بالكلام العذب في الأدب والمناظرة في مسائل الاعتزال ومع ذلك رفض الوزارة عندما أراده المأمون ليكون وزيراً له بعد قتل الفضل بن سهل فأبى وقال :"إني لم أرى أحداً تعرض للخدمة والوزارة إلا لم يكن لتسلم حاله ولا تدوم منزلته" ، ورشح للمأمون احمد بن أبي خالد فلم يعرف أحمد لثمامة يده وقال يوماً بحضرة المأمون : يا ثمامة كل أحد في الدار فله معنى غيرك ، فإنه لا معنى لك في دار أمير المؤمنين . فقال له ثمامة : إن معناي في الدار والحاجة غلي لبينة ، فقال : وما هي ؟ قال : أشاور في مثلك هل تصلح في موضعك أم لا تصلح . وعرض عليه الوزارة مرة أخرى بعد أن مات احمد بن خالد فرفض.

وكان لثمامة الفضل في نشر الاعتزال لقربه من المأمون .



قوله في "خلق أفعال العباد" :

هو قوي الحجة : ناظر يحيى بن اكسم بين يدي المأمون في خلق الأفعال ، فقال ثمامة : ليست تخلو أفعال العباد من أمور : أن تكون كلها من الله ، ليس للعباد فيها صنع ، أو أن يكون بعضها من العباد وبعضها من الله ، فإن زعمت أن ليس للعباد فيها كفرت ، ونسبت إلى الله كل فعل قبيح . وإن زعمت أنها من الله ومن العباد كفرت ، لأنك جعلت الخلق شركاء الله في فعل الفواحش والكفر ، وإن زعمت أنها للعباد ليس لله فيها صنع صرت إلى ما أقول .

7. أحمد بن أبي دؤاد :

شخصيته من أقوي الشخصيات في عصره – كان له الأثر الكبير في حياة المسلمين وتاريخ الإسلام – هو عربي من إياد ، نشأ في طلب العلم وخاصة الفقه والكلام ، وكان من أصحاب واصل بن عطاء فصار إلى الاعتزال. وكان أديباً كما كان فقيها متكلما.

وقد اتصل بالمأمون من طريق يحيي بن أكثم، فكان يحضر مجالس المأمون في الجدل والمناظرة، فأعجب المأمون بعقله وحسن منطقه فقربه، وأصبح ذا نفوذ كبير في قصره، وكان من وصية المأمون للمعتصم أن لا يفارق أحمد بن أبي دؤاد ويشاركه في المشورة . فلما ولي المعتصم جعل أبن أبي دؤاد قاضي القضاة ، وكان كذلك في أيام الواثق.

كان ينال من الخلفاء كثيراً، وينفق على الناس كثيراً ويستحث الخلفاء في عمل الخير للناس وإعطائهم وتخفيف ويلاتهم.

هذا النفوذ الكبير، والجاه العريض في قصور الخلفاء، وفي أوساط العلماء وعلى قضاة الأمصار،(إذ كان قاضي القضاة) قد أخطأ فاستعمله في حمل الناس على الاعتزال، وإكراههم على القول بخلق القرآن، فهو أكبر سبب في هذه المحنة، فاستوجب سخط الناس وضاع مجده وعلو شأنه في كثير من الأوساط.

فقد كان موصوفاً بالجود والسخاء، حسن الخلق، وافر الأدب واسع العلم، ولكنه حمل الخلفاء الثلاثة: المأمون والمعتصم والواثق، على أن يمتحنوا الناس بخلق القرآن، فكانت المحنة وكانت الكارثة حتى على مذهب الاعتزال نفسه.



هؤلاء الذين ذكرناهم أعلام المعتزلة في البصرة وبغداد، وكان لكل مدرسة من المدرستين ألوان خاصة.

1- من ذلك أن الاعتزال في البصرة كان مذهباً نظرياً ، والاعتزال في بغداد كان عملياً متأثراً بالدولة ، قريباً من السلطان .

2- وأن تأثير الاعتزال بالفلسفة اليونانية كان أظهر في مدرسة بغداد منه في مدرسة البصرة ، لقوة حركة الترجمة في بغداد .

3- أخذ البغداديون كثيراً من المسائل التي عرض لها البصريون فوسعوا مدى بحثهم ، واستفادوا مما نشر من آراء الفلاسفة فيها ، كمسألة تحديد "الشيء" ومسألة الجوهر والعرض .

4- وكان من أظهر المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين الكلام في الجوهر والعرض.

وقد بقي لنا من ذلك كتاب لأبي رشيد سعيد النيسابوري في آراء البصريين والبغداديين في مسائل الجوهر ، وحجج كل فريق مما يطول شرحه. ولعل أهم مسألة وسعها معتزلة بغداد مسألة خلق القرآن .

8. أبو بكر الرازي : (250 هـ - 311هـ) :

هو أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي ، ينتمي أبو بكر الرازي إلى القرن الثالث الهجري، ولد في مدينة الري جنوبي طهران بفارس. وعاش الرازي في أيام الخليفة العباسي عضد الدولة، وكان مجلسه من العلماء والحكماء. وقد استشاره الخليفة عندما أراد بناء المستشفى العضدي في بغداد، وذلك لاختيار الموقع الملائم له.

واشتهر الرازي بعلوم الطب والكيمياء، وكان يجمع بينهما لدى وضع الدواء المناسب لكل داء. ويعتبره المؤرخون من أعظم أطباء القرون الوسطى، فقد جاء في كتاب الفهرست: كان الرازي أوحد دهره، وفريد عصره، وقد جمع المعرفة بعلوم القدماء، سيما الطب.

وقد ترك الرازي عدداً كبيراً من المؤلفات، ضاع قسم كبير منها. فمن مؤلفاته المعروفة (الطب الروحاني)، ثم كتاب (سر الأسرار)، أما كتاب (الحاوي) فهو من أعظم كتب الطب التي ألفها، ومن المؤلفات الأخرى (الأسرار في الكيمياء) الذي كان مرجعاً في مدارس أوروبا مدة طويلة، وكتاب في (الحصبة والجدري) الذي عرض فيه أعراض المرضين والتفرقة بينهما، كما له (كتاب من لا يحضره طبيب) المعروف باسم (طب الفقراء) وفيه شرح الطرق المعالجة في غياب الطبيب منا يعدد الأدوية المنتشرة التي يمكن الحصول عليها بسهولة.

والرازي امتاز بوفرة الإنتاج، حتى أربت مؤلفاته على المائتين وعشرين مخطوطة، ضاع معظمها بفعل الانقلابات السياسية، ولم يصلنا منها سوى النذير اليسير المتوفر حالياً في المكتبات الغربية.

وقد سلك في أبحاثه مسلكاً علمياً سليماً، فأجرى التجارب واستخدم الرصد والتتبع، مما أعطى تجاربه الكيميائية قيمة خاصة، حتى إن بعض علماء الغرب اليوم يعتبرون الرازي مؤسس الكيمياء الحديثة. وقد طبق معلوماته الكيميائية في حقل الطب، واستخدم الأجهزة وصنعها.

ويظهر فضل الرازي في الكيمياء، بصورة جلية، عندما قسم المواد المعروفة في عصره إلى أربعة أقسام هي: المواد المعدنية، المواد النباتية، المواد الحيوانية، المواد المشتقة. كما قسم المعدنيات إلى أنواع، بحسب طبائعها وصفاتها، وحضر بعض الحوامض. وما زالت الطرق التي اتبعها في التحضير مستخدمة حتى اليوم. وهو أول من ذكر حامض الكبريتيك الذي أطلق على اسم (زيت الزاج) أو (الزاج الأخضر).





سقوط المعتزلة كفرقة




أسباب سقوط الفكر المعتزلي :- [سلبيات قام بها المعتزلة ]

1. أثاروا عليهم عامة الشعب وألبوا جمهور الأمة فقاموا باستفزاز رجال الحديث أولاً بالنيل منهم ورميهم بالكذب والتزوير ، ثانياً بقطع أرزاقهم لأن المحدثين كانوا يقتاتون من تدريس الحديث من خلال مرتباتهم التي كانوا يأخذونها من بيت المال أو من كبراء الأمة . فهاجموا الحديث نفسه ولم يعتبروا أكثره ومن هنا أصبح المحدثين من أعداء المعتزلة .

2. تحامل المعتزلة على أئمة الصحابة فلم يحفظوا لهم حرمة.

3. تعمقوا في دراسة الفلسفة مما جعل الناس يقولوا أنهم تطرفوا في عقائدهم .

4. كانوا يرفضون شهادة أهل السنة ويكفرونهم مثال ذلك:- المردار أحد أئمة المعتزلة الذي غالى في تكفيره للآخرين. فذكر ابن الروندي أنه وضع كتاب في القدر والتشبيه كفَّّر فيه أهل الأرض ، وكان الفوطي يجيز القتل على المخالفين لمذهبه ويبيح أخذ أموالهم سرقة وغصباً واستباحة دمائهم . هذا خلاف موقفهم العدائي الشديد تجاه أحمد بن حنبل وأشاروا كثيراً على الخليفة قتله وخاصة لقوله بأن من قال بخلق القرآن فهو كافر ولما سؤل عن ابن أبي دؤاد تحديداً قال"كافر بالله عظيم ".

- خالف المعتزلة أهم مبادئهم وهو حرية الفرد في اختيار أفعاله واحترامهم العقل البشري وتحميل الإنسان نتيجة أفعاله وذلك أنهم كانوا يدعون الناس إلى عقائدهم ومن يخالفهم يرمونه بالكفر ويضطهدونه مما أوجد المحنة والفتنة.

- ومن أهم أسباب سقوط المعتزلة هو امتحانهم للناس في مسألة خلق القرآن مما أثار روح التعصب وبداية سقوطهم .

- ظهرت بين صفوف المعتزلة حركة انفصالية وذلك لإيمانهم منذ البداية بحرية الرأي مما جعل كلٌ له رأيه وتعددت مسائل الخلاف وتحمسوا لخلافاتهم الفرعية كما تحمسوا في الأصلية فافترقوا إلى 22 فرقة.

- كذلك انقسموا جغرافياً إلى مدرستين مدرسة بغداد ومدرسة البصرة وأصبح أصحاب كل مدرسة يكفر الآخر وقد روي البغدادي أمثلة كثيرة على تكفيرهم لبعض منها أن أبا الهذيل العلاف كذب تلميذه في كتاب ألفه بإسم الرد على النظام في بعض المسائل وكذلك كفر الجبائي أيضاً في بعض المسائل.

- ويذكر البغدادي أن سبعة من كبار المعتزلة اجتمعوا في مجلس لهم وتكلموا في قدرة الله على الظلم وتجادلوا وتفرقوا وكل واحد منهم يكفر الآخر.

- ثم بدأوا ينفصل بعضهم عن بعض ، وأول من انفصل عنهم بشار بن برد من أصحاب واصل بن عطاء وذلك لخلافه معه في تفضيل النار على الطين وبعد أن كان يمدحه كثيراً صار يهجوه بأشعاره – كذلك انفصل عنهم الروندي وأبو عيسى الوراق .

- ويبرر الجاحظ دفاعه عن المعتزلة عند سقوطهم فيقول: "نحن لم نكفر إلا من أوسعناه حجة ولم نمتحن إلا أهل التهمة" – فيقول الجاحظ أن أحمد بن حنبل في مناظرته كان عنيداً معانداً للخليفة لأنه كان يجيب على ابن أبي دؤاد في كل مسألة يسأل عنها حتى إذا بلغ المنخنق والموضع الذي إن قال كلمة واحدة برأ منه أصحابه فنجده يقول "لا أتكلم" فلا هو قال في أول الأمر لا علم لي بالكلام ولا هو حين تكلم خضع للحق عندما ظهرت الحجة ، وقد ألف الروندي كتاب أسماه" فضيحة المعتزلة " للرد على الجاحظ.

- أما الضربة القاضية التي أتت للمعتزلة من داخلهم هي خروج أبي الحسن الأشعري ( 260 هـ - 330 هـ ) أحد رجالهم وأئمتهم والذي انصرف لقتالهم كما فعل الروندي من قبل بعد أن كان الأشعري معهم لمدة أربعين عاماً فوقف على دخائلهم وأتقن طرقهم في الجدل فعرف كيف يدحض أقوالهم وظهر هذا في كتابي الإبانة والمقالات ويقال أن الأشعري اتخذ طريقاً وسطاً بين فكر المعتزلة وفكر أهل السنة.



نتائج البحث




أولاً : يحسب لهم :

1. إتباعهم لمناهج سليمة في تفسير الآيات القرآنية وفي البحث والمناظرة .

2. استخدام العقل والإعلاء من شأنه ، أدى إلى ثمرات طيبة في مختلف المجالات الأدبية – العلمية – الترجمة – نشر مذهبهم في كثير من البلدان – تأويل الآيات المتشابهات لتتوافق مع المحكمات في القرآن .

3. كان لهم الفضل في الرد على كثير من الفرق الإسلامية ، فيما يتعلق بتنزيه الله وعدم تجسيده ، وعدل الله ، ومسئولية الإنسان عن أفعاله.

ثانياً : يؤخذ عليهم :

1. استخدام العقل خارج حدود استطاعته ، كمعرفة أحوال الفاعل (الله) ، وتحديد ما يجب على الله وما لا يجب عليه ، وأن الله يستطيع كذا... ولا يستطيع كذا ... .

2. أن استخدامهم للعقل في الغيبيات ، جعل آراءهم وأحكامهم في هذا المجال مبنية على الظن ، وأفضل تعبير لوصفهم في ذلك ما قاله الجاحظ في النظام :"أنه كان جيد القياس جيد الاستنباط ، ولكنه لا يتحرى الدقة فيما يقيس عليه ، فهو يظن الظن ثم يقيس عليه ، وينسى في بدء أمره أنه كان ظناً ، فلو كان بدل تصحيحه القياس يلتمس تصحيح الأصل ، لكان ذلك أولى".

3. أن بعضهم غالى في تأويل الآيات حتى أن بعض تأويلاتهم ألغت ظاهر بعض النصوص كما حدث في تأويلهم للشفاعة بأنها المحاباة أو أنها تخالف مبدأ الوعد والوعيد ، وبالتالي أنكروا الشفاعة .

4. أساءوا استغلال مناصرة الخلفاء العباسيين لهم ، واستخدموا سلطة هؤلاء الخلفاء أسوء استخدام ، في مواجهة معارضيهم .

5. التخلي عن أهم مبادئهم وهو حرية الفرد في اختيار أفعاله ، واحترامهم العقل البشري ، وتحميل الإنسان نتيجة أفعاله ، وهي المبادئ التي كانت سبباً في إعلاء شأنهم ونشر عقائدهم ، والتخلي عن هذه المبادئ كان سبباً في انهيارهم.

6. تشككهم في الأحاديث ، وتكذيب رواته ، لأنهم حكموا العقل في الحديث ، لا الحديث في العقل ، ورفضهم لأحاديث الآحاد رغم صحتها .



الخلاصة:


في الواقع أن في النهضة الحديثة بعضاّ من مناهج الاعتزال ومبادئه ، ففيها الشك والتجربة وهما منهجان من مناهج الاعتزال ، وفيها الإيمان بسلطة العقل ، وحرية الإرادة وبعبارة أخرى خلق الإنسان لأفعال نفسه ، وما يتبع ذلك من مسئولية ، وفيها حرية الجدل والبحث ، والمناظرة ، وفيها شعور الإنسان بشخصيته ، وعدم تحميل القدر كل تبعة ومسئولية ، إلى كثير من أمثال ذلك وكلها مبادئ قد قال بها المعتزلة .

وربما كان الفارق الوحيد بين تعاليم المعتزلة وتعاليم النهضة الحديثة ، أن تعاليم المعتزلة بهذه المبادئ كانت مؤسسة على الدين وكان المعتزلة يرونها ديناً ، وكانت متصلة بالدين أتم الاتصال ، وتعاليم النهضة الحديثة مؤسسة على العقل الصرف ، وتراها النهضة عقلاً ولم تتصل بالدين ، بل كانت تُرى في كثير من المظاهر والأحوال أنها خروج على الدين .

ونحن الآن في حاجة إلى منهج سليم غير متطرف يوفق بين مبادئ النهضة الحديثة (العقل وإنجازاته الإيجابية ) من جانب وبين الدين ومبادئه ، حيث أننا لا نرى أي تعارض بينهما .



_______________

(1) لم يستدل عليه.

(2)حديث شريف نصه: "إن أناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله هل تضارون في القمر ليلة البدر ؟ قالوا : لا قال : فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا لا قال : فإنكم ترون ربكم يوم القيامة كذلك قال عطاء بن يزيد و أبو سعيد الخدري جالس معي أبي هريرة حين حدث بهذا الحديث لا يرد عليه من حديثه شيئا ". الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني .

(3) حديث شريف نصه :" عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن قوله { وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض } ولكن قولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما أرسلت به ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به ". المحدث: ابن الملقن - المصدر: تحفة المحتاج .

(4) حديث شريف نصه : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ، ثم لتدعنه ، فلا يستجاب لكم " الراوي: حذيفة بن اليمان ، المحدث: البغوي.

(5) " قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر , فقال : يا رسول الله , أي الناس خير ؟ فقال : خير الناس أقرؤوهم وأتقاهم لله , وآمرهم بالمعروف , وأنهاهم عن المنكر , وأوصلهم للرحم ".الراوي: درة بنت أبي لهب ، ورواه الألباني بنص : "سئل صلوات الله عليه عن خير الناس فقال أتقاهم للرب وأوصلهم للرحم ؛ وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ".






علماء الإسلام : ملخص عن ابن رشد وفكره




ابن رشد أحد أهم الفلاسفة، ويشاع أن الفلسفة الإسلامية انتهت بوفاته، اسمه باللاتيني "أفرويس" ولد في عاصمة الفكر الإسلامي قرطبة في الأندلس وكان أبوه قاضي وجده قاضي فدرس القانون، وأتاح له ذلك أن يكون قاض لأشبيلية. درس الطب وعلم الكلام والفلسفة والفقه، لقب بالشارح الأكبر لأنه أفضل من شرح ما جاء به أرسطو.


كانت هناك ضغوط لقطع حبل الصلة بين الخليفة وابن رشد لأن الحركة السلفية آنذاك رأت أن العلوم المتصلة بالكفار مثل أرسطو حرام وحاربوه، حبس ابن رشد لكن لم يطل حبسه وانتقل إلى مراكش ومات هناك. أثّر ابن رشد في العالم الإسلامي والمسيحي وأوروبا وقد بحث عن أسباب انتهاء حضارة المسلمين في الأندلس فرأى أنها بسبب تراجع دور المرأة آنذاك. دارت حول شروحه نقاشات عديدة في جامعة السربون وترجمت كل شروح ابن رشد للعبرية. ولقد أكد ابن رشد على كروية الأرض. من مؤلفاته: شروح أعمال أرسطو، تهافت التهافت.


هناك 3 مسائل مهمة في ابن رشد وهي:


أنه يمثل ردة الفعل الفلسفية على الهجمة القوية على الفلسفة التي أقدم عليها الغزالي. فابن رشد يمثل محاولة رد اعتبار الفلسفة بعد أن أصابها الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ووضع هذا الجهد في كتابه تهافت التهافت.


ابن رشد يجسد خير من شرح مؤلفات أرسطو وشروح ابن رشد على أرسطو هي أفضل شروح نعرفها في تاريخ الفلسفة وهو شارح لأرسطو أكثر من كونه فيلسوف مبدع ذا فلسفة خاصة. بل هو تلميذ لأرسطو - رغم وجود 16 قرن بينهم - يتبنى معظم آراءه في الطبيعة وما وراء الطبيعة.


قدم نظرية أو موقف متميز وخاص ومهم في مسألة العلاقة بين الشريعة والحكمة أي بين الدين والفلسفة وذلك في كتاب "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال". وسنتكلم عن القسم الثالث من المتعلق بالعلاقة بين الدين والفلسفة. وهذه المسألة شغلت جميع الفلاسفة من الكندي، الفارابي، الغزالي، ابن سينا، وابن رشد. والغزالي وحده أعتقد أن الفلاسفة يخرجون عن الدين عندما كفرهم في قضايا ثلاث وبدعهم في سبعة عشر أخر. ابن رشد يستأنف موقف الكندي مع شيء من التعديل ويقول لا تعارض بين الدين والفلسفة. أي لا اختلاف بين الأمرين (الشريعة والحكمة) وإذا كان هناك من تعارض فالتعارض ظاهري بين ظاهر نص ديني وقضية عقليه ونستطيع حله بالتأويل وفقا لقواعد وأساليب اللغة العربية.


عندما ننظر إلى كتاب فصل المقال لأبن رشد نجد أن: ابن رشد ميّز بين الفلسفة والمنطق أو جعلهما مرتبطتين.


تعريف ابن رشد للفلسفة: تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم و الشرع ندب (المندوب أي المستحب) إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها. الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل "فاعتبروا يا أولي الأبصار" وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي.


"أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض"


"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت"


"ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"


هذه أدلة فابن رشد يشدد على كلمة النظر والاعتبار والتفكر والرؤية وهي أدلة دينية على وجوب النظر العقلي في الموجودات. يفسر ابن رشد كلمة الاعتبار فيقول أننا من مقدمات معلومة نستنتج نتيجة مجهولة، أي من مقدمة كبرى فمقدمة صغرى نستنتج نتيجة، إذا سلمنا بالمقدمات الكبرى والصغرى ينتج عنها بالضرورة نتيجة، وبهذا الشكل سوّغ ابن رشد دراسة المنطق.


التمييز بين أنواع الأقيسة، البرهاني قياس لمقدمتان سابقتان مثل، كل إنسان فان..سقراط إنسان.. إذن سقراط فان.


القياس البرهاني: القياس الذي كلتا مقدمتاه صادقة. (وهو القياس السليم عنده)


القياس الجدلي: القياس الذي إحدى مقدمتيه احتمالية أو كلتا مقدمتيه احتمالية.


القياس المغالطي: هو القياس الذي فيه إحدى المغالطات.


أقر ابن رشد وأكد شرعيا المنطق وأكد القياس بآية "واعتبروا يا أولي الأبصار". القياس في الفقه لا يقولون عنه بدعة، فحكم القياس العقلي نفس الشيء. إذا تقرر أن النظر بالقياس العقلي واجب فنحن ننظر بالذي سبقونا. ويقول ابن رشد مثل قول الكندي في أننا يجب أن نأخذ الحقائق حتى لو كان قائلها من ملة غير ملتنا، وأن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع وأن الفرد لا يستطيع أن يحصل العلم وحده ويجب أن نستفيد من بعض ومن السابقين. شرعيا أوجب النظر العقلي في القضايا التي توصل إلى الله وينبغي أن تتوافر في من ينظر بهذه العلوم أمرين:


ذكاء الفطرة


العدالة الشرعية والفضيلة الخلقية


ويقول ابن رشد إذا غوى (أي ضل وانحرف) غاو بسبب النظر في الوجود لا يمكن أن ننكر الصنعة نفسها عن الأكفاء بالنظر فيها ودراستها لأن بعض غير الأكفاء للنظر قد أخطئ. سأل أحدهم النبي (صلى الله عليه وسلم) عن حل لإسهال أخيه فأشار عليه الرسول(صلى الله عليه وسلم) بالعسل، ولما سقاه العسل زاد عليه الإسهال فرجع إلى النبي، فقال له عليه السلام "صدق الله وكذب بطن أخيك". والمقصود أنه إذا مات أحد ما بسبب أنه شرق بالماء، فإن هذا لا يعني أن نمنع شرب الماء حتى يموت الإنسان من العطش لهذا السبب، فالموت عن الماء بالشرق أمر عارض، وعن الماء بالعطش أمر ذاتي ضروري.


قال ابن رشد أيضا أن الناس مختلفون في جبلتهم فهناك أناس يجري عليهم القياس البرهاني وأناس القياس الجدلي. نظر ابن رشد إلى العلاقة بين الدين والفلسفة وخلاصة موقفه في المسألة:


مثلا إذا قررنا قضية مثل قضية العالم مخلوق، فلا يخلو هذا الوضع (أي خلق الوجود) أن يكون الشرع قد سكت عنه أو قال قولا ما. اليقين الفلسفي البرهاني حق ولا يمكن أن يتعارض مع حقيقة ذكَرَها الشرع:


قول سكت عنه الشرع: يجوز الكلام فيه


قول قرر بشأنه الشرع قولا ما: إما قرر بشأنه قولا موافقا لما قدره العقل: فلا نتكلم فيه، إما قرر بشأنه قولا مخالفا لما قدره العقل: فنلجأ للتأويل


تتلخص أطروحة ابن رشد في هذه المسألة في:


أن الشرع أوجب النظر بالعقل في الوجود و أوجب دراسة المنطق من ناحية مفسرا آية "واعتبروا يا أولي الأبصار". معنى الأبصار القياس، وأوجب النظر في الوجود من علل الموجودات.


الوجه الثاني أن هذا النظر ليس بدعة وينبغي أن نأخذ به و لا يمكن أن يتحقق لفرد واحد فهو إسهام لأفراد كثيرين فيجب أن نلجأ للأمم الأخرى.


العلاقة بين ما يقرره العقل البرهاني وما تتفق به الشريعة، كل منهما يعبر عن الحق، والقضايا البرهانية العقلية هي حق، وما نطق به الشرع حق، والحق لا يضاد الحق بل يؤكده ويشهد له، أي ليس هناك تناقض بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة.


وابن رشد مرجعه النهائي العقل.......


قيل عنه


يقول لويج رينالدي في بحث عنوانه "المدينة الاسلامية في الغرب":‏


"ومن فضل المسلمين علينا أنهم هم الذين عرّفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. ولذلك كان له مقام جليل عند المسلمين والمسيحيين على السواء. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب "الفكر الحر". وهو الذي كان يتعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين، وهو الذي قال عند موته كلمته المأثورة: تموت روحي بموتِ الفلسفة".‏


وفي كتابه "تاريخ موجز للفكر الحر" كتب المفكر الإنكليزي جون روبرتسون : "إن ابن رشد أشهر مفكر مسلم، لأنه كان أعظم المفكرين المسلمين أثراً وأبعدهم نفوذاً في الفكر الأوروبي، فكانت طريقته في شرح أرسطو هي المثلى".‏


وكتب المستشرق الإسباني البروفيسور ميغيل هرنانديز : "إن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكار التي قامت عليها النهضة الحديثة".‏

ورأى هرنانديز أن ابن رشد قدم رؤية أكثر شمولاً وإنسانية للمدينة الفاضلة. وكان يرى أن في الإمكان قيام كثير من المدن الفاضلة، تقوم بينها علاقات سلمية فاضلة -والمدينة هنا تكاد تعني الدولة تماماً- واعتقد أن قيام الحروب بين الدول هو نهاية العالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق